أي شردهم حيث تجدهم. ويقول الحق:{واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم} أي لا تقولوا إنهم أخرجوكم من هنا، وإنما أخرجوهم من حيث أخرجوكم، أي من أي مكان أنتم فيه، وعن ذلك لن تكونوا معتدين. وقوله تعالى:{وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} يذكرنا بمنطق مشابه في آية أخرى منها قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}[النحل: ١٢٦]
وعندما نبحث في ثنايا هذه النصوص {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}«قد يرد هذا الخاطر» أخذت حقي ممن أساء إلي، وانتقمت منه بعمل يماثل العمل الذي فعله معي، هل يقال: إنني فعلت سيئة؟
وحتى نفهم المسألة نقول: الحق سبحانه وتعالى يأتي في بعض الأحايين بلفظ «المشاكلة» وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحته، ومثل ذلك قوله:{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} ، إن الله لا يمكر، وإنما اللفظ جاء للمشاكلة، أو أن اللفظ الكريم قد جاء في استيفاء حقك بكلمة {سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} لينبهك إلى أن استيفاء حقك بمثل ما صنع بك يعتبر سيئة إذا ما وازناه بالصفح والعفو عن المسيء، يشير إلى ذلك سبحانه في نهاية هذه الآية بقوله:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين} وبمثل ذلك كان ختام الآية السابقة {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} .
ويقول الحق:{والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل} ، والفتنة مأخوذة من الأمر الحسي، فصائغ الذهب يأخذ قطعة الذهب فيضعها في النار فتنصهر، فإذا ما كان يشوبها معدن غريب عن الذهب فهو يخرج ويبقى الذهب خالصا، فكأن الفتنة ابتلاء واختبار، وقد فعل المشركون ما هو أسوأ من القتل، فقد حاولوا من قبل أن يفتنوا المؤمنين في دينهم بالتعذيب، فخرج المؤمنون فراراً بدينهم.