ويقولون: لا، الإسلام إنما جاء بقتال الدفاع فقط. نقول لهؤلاء: قتال الدفاع عَمَّن؟ هل دفاع عَمَّن آمن فقط؟ أم عن مطلق إنسان نريد أن ندفع عنه ما يؤثر في اختيار دينه؟
هو دفاع أيضاً، وسنسميه دفاعاً، ولكنه دفاع عَمَّن آمن، ندفع عنه مَنْ يعتدي عليه، وأيضاً عَمَّن لم يؤمن ندفع عنه من يؤثر عليه في اختيار دينه لنحمي له اختياره، لا لنحمله على الدين، ولكن لنجعله حراً في الاختيار؛ فالقوى التي تفرض على الناس ديناً نزيحها من الطريق، ونعلن دعوة الإسلام، فمَنْ وقف أمام هذه الدعوة نحاربه؛ لأنه يفسد على الناس اختيار دينهم، وفي هذا أيضاً دفاع.
{وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} لأنكم أحرى وأجدر أن تحترموا تحريم الله للمسجد الحرام، لكن إذا هم اجترأوا على القتال في المسجد الحرام فقد أباح سبحانه لكم أيها المسلمون أن تقاتلوهم عند المسجد الحرام ما داموا قد قاتلوكم فيه. {فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم كَذَلِكَ جَزَآءُ الكافرين فَإِنِ انتهوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . وما أسمى هذا الدين.
إننا لا نؤاخذهم بعد أن انتهوا إلى الإيمان بما قدمت أيديهم من الاجتراء على أهل الإيمان ما داموا قد آمنوا، ولذلك نرى عمر بن الخطاب وقد مر على قاتل أخيه زيد بن الخطاب: وأشار رجل وقال: هذا قاتل زيد. فقال عمر: وماذا أصنع به وقد أسلم؟ لقد عصم الإسلام دمه.
لقد انتهت المسألة بإسلامه، فالإيمان بالله أعز على المؤمن من دمه ومن نفسه وحين يؤمن فقد انتهت الخصومة. وهذا وحشي قاتل حمزة، يقابله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكل ما يصنعه رسول الله هو أن يزوي وجهه عنه، لكنه لا يقتله ولا يثأر منه. وهند زوجة أبي سفيان التي أكلت كبد حمزة، أسلمت وانتهت فعلتها بإسلامها. إذن، فالإسلام ليس دين حقد ولا ثأر ولا تصفية حسابات، فإذا كان الدم يغلي في مواجهة الكفر، فإن إيمان الكافر بالإسلام يعطيه السلامة، هذا هو الدين.