قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم ... كلا لعمري ولكن منه شيبانُ
وكم أبٍ قد علا بابن ذُرَا شَرَفٍ ... كما عَلتْ برسول الله عدنانُ
وما دام القوم يفتخرون بحي منهم، فهم يلتحمون بمن يعطيهم المدد ليكونوا شيئا باقياً ومؤثراً في الوجود، وليس بذلك الشيء المحدود المتمثل في أنه يطعم الطعام، ويحمل الحمالات ويؤدي الديات، وإنما يكون بحمل رسالة الإنسانية العالمية.
{فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} . لأن ذكركم الله سيصلكم بالمدد منه، ويعطيكم المعونة لتكونوا أهلا لقيادة حركة الحياة في الأرض، فتوطدوا فيها الأمن والسلام والرحمة والعدل، وهذا هو ما يجب أن يكون مجالا للفخر.
وبعد ذلك يلفتنا الحق فيما يأتي إلى أن الإنسان إذا ما قضى المناسك كان أهلا لأن يضرع إلى الله، ويسأل الله بما يحب أن يسأله، والسؤال لله يختلف باختلاف همة السائلين، وكانوا لا يسألون الله إلا قائلين: يا رب أعطني إبلاً، يا رب أعطني غنماً، يا رب أعطني بقراً، ويا رب أعطني حائطاً أي بستاناً، يا رب كما أعطيت أبي أعطني.
ولم يكن في بالهم إلا الأمور المادية، وأراد الله أن يجعلهم يرتفعون بالمسألة لله، وأن يُصَعِّدُوها إلى شيء أخلد وأبقى وأنفع، ومن هنا تأتي المزية الإيمانية، فإذا كنتم ستسألون الله متاعا من متاع الدنيا فما الفارق بينكم وبين أهل الجاهلية؟
ذلك ما نفهمه من قول الله عَزَّ وَجَلَّ في ختام هذه الآية:{فَمِنَ الناس مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ} . فالعبد حين يؤدي مناسكه لله يجد نفسه أهلا لأن يسأل الله، وما دمت قد وجدت نفسك أهلا لأن تسأل الله فاسأل الله بخير باق؛ لأن الإنسان إنما يُصَعدُ حاجته إلى المسئول على مقدار مكانة المسئول ومنزلته؛ فقد تذهب لشخص تطلب منه عشرة قروش، وقد تذهب لآخر أغنى من