ثم يأتي التحريم الكامل للخمر في قوله تعالى:{ ... إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: ٩٠]
وهكذا أخذ الحكم بتحريم الخمر تدرّجه المناسب لعادات الناس، وتمَّ تحريم الخمر بهوادة وعلى مراحل.
وهكذا نفهم النَّسْخ على أنه انتهاء الحكم السابق زمناً وبداية الحكم الجديد، وهذا يعني أن الحكم الأول لم يكن مُنْسحِباً على كل الزمن ثم أزلناه وجئنا بحكم آخر؛ ولكن توقيت الحكم الأول أزلاً قد انتهى؛ وبدأ الحكم الجديد.
وهكذا لا يوجد مجال للاختلاف على معنى النسخ، ذلك أن الحق سبحانه أرجع المَحْو والإثبات إلى أم الكتاب؛ ففيها يتحدد ميعاد كل حكم وتوقيته؛ وميعاد مجيء الحكم التالي له.
وما دام كل أمر مرسوم أزلاً؛ فعلى مَنْ يقولون أن البَدَاء محرم على الله أن ينتبهوا إلى أن هذا المحو والإثبات ليس بَداءً؛ لأن البداء يعني أن تفعل شيئاً، ثم يبدو لك فسادُه فتُغيِّره.
والحق سبحانه لم يظهر له فساد ما أنزل من أحكام أو آيات؛ بل هو قدَّر كل شيء أزلاً في أم الكتاب، وجعل لكل حكم ميقاتاً وميلاداً ونهاية.
ويصح أن يتسع معنى قول الحق سبحانه:{يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب}[الرعد: ٣٩]
ليشمل نسخ رسالة برسالة أخرى؛ فيكون قد محا شيئاً وأثبت