وهم مِنْ قَبْل كانوا:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يرضى مِنَ القول وَكَانَ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً}[النساء: ١٠٨] .
وكانوا قد ظَنُّوا أنهم قادرون على أن يخفوا عن ربهم ما كانوا يفعلون؛ ويُبيِّتون ويمكرون؛ ونجدهم يوم القيامة مفضوحين أمام خالقهم؛ حُكْمهم في ذلك حُكْم كل الخَلْق.
أو: برز كل واحد منهم أمام نفسه، ورأى نفسه أمام الله.
ونعلم أنه سبحانه قد خلق الخَلْق على لونين؛ لون مقهور فيه الإنسان، ولا إرادةَ له: ولَوْنٍ مُخيّر فيه الإنسان، ونسبة ما منع فيه الإنسان الاختيار قليل، إذا ما قيس بما ليس له في اختيار.
وقد شاء الحق سبحانه ذلك؛ لأنه علم أزلاً أن الإنسان الذي تعوّد على أنْ يتمرّد على الله؛ فهو يُوضِّح له: أنت قد أَلِفْتَ التمرد وقَوْل «لا» ، وقد تُجاهِر بالكفر، وتحارب من أجله، وتريد أن تخرج عن مرادات الحق؛ فَإنْ كنت صادقاً في أن هذا الخروج ذاتيّ فيك؛ فتمرّد على القهريات التي تنتابك.
ويعلم الإنسان بالتجربة أنه غَيْرُ قادر على ذلك؛ فلا الفقيرَ يستطيع أن يثريَ دون مشيئة الله؛ والمريض لا يستطيع أن يشفي دون مشيئة الله؛ والضعيف لا يستطيع أن يقوى ضد إرادة الله.
وكل هذا يدل على أن ملكية الله لك لا تزال بالقهر فيك؛ وسيأتي يوم يسلب منك الاختيار.