لنا: أن العقل الفطري عندما يصفو فهو يستطيع أن يهتدي للحكم الصحيح، وإن لم يكن هناك حكم قد نزل من السماء. ولذلك تستفز أحكام سيدنا عمر عدداً كبيراً من المستشرقين ويقولون: أليس عندكم سوى عمر؟ لماذا لا تقولون محمدا؟
نقول لهم: لقد تربى عمر في مدرسة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فما يقوله هو، إنما قد أخذه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وقد أقر عمر بذلك وقال:«ما عمر لولا الإسلام» ، ونحن نستشهد بعمر لأنه بشر وليس رسولاً، ويسري عليه ما يسري على البشر، فلا يوحى إليه ولم يكن معصوما.
إذن كأن الحق أراد أن يُقَرِّب لنا القدرة على الاستنباط والفهم فنكون جميعا عمر؛ لأن عمر بالفطرة كان يهتدي إلى الصواب، ويقول لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«نفعل كذا» ، فينزل الوحي موافقا لرأيه، فكأن الله لم يكلفنا شططا، إنما جاء تكليفه ليحمي العقول من أهواء النفس التي تطمس العقول، فآفة الرأي الهوى، ولولا وجود الأهواء لكانت الآراء كلها متفقة.
وقديما أعطوا لنا مثلا بالمرأة التي جمعت الصيف والشتاء في ليلة واحدة، فقد زوجت ابنها وابنتها، وعاش الأربعة معها في حجرة واحدة، ابنها معه زوجته، وابنتها معها زوجها، والمرأة معهم، تنام نوما قليلا وتذهب لابنتها توصيها:«دفئي زوجك وأرضيه» فالجو بارد، وتذهب لابنها وتقول:«ابعد عن زوجتك فالدنيا حر» .
إن المكان واحد، والليل واحد، لكن المرأة جعلته صيفاً وشتاء في وقت واحد والسبب هو هوى النفس. والله سبحانه يبين لنا ذلك في قوله:{وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ}[المؤمنون: ٧١]
إذن فالحق سبحانه وتعالى يعصمنا حين يُشَرع لنا، فالبشر يضيقون ذرعا بتقنينات أنفسهم لأنفسهم، فيحاولون أن يخففوا من خطأ التقنين البشري، فيقننوا أشياء