فيجب أن تعلم أن لله صفات ليست كالصفات، وأن لله أفعالاً ليست كالأفعال، فلا تجعل ذات الله مخالفة لذوات الناس؛ ثم تأتي في الصفات التي قال الله فيها عن نفسه وتجعلها مثل صفات الناس، فإذا كان الله يجيء؛ فلا تتصور مجيئه أنه سيترك مكاناً إلى مكان، فهو سبحانه يكون في مكان بما لا يخلو عنه مكان، تلك هي العظمة.
فإذا قيل:{إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله} فلا تظن أن إتيانه كإتيانك، لأن ذاته ليست كذاتك، ولأن الناس في اختلاف درجاتهم تختلف أفعالهم، فإذا كان الناس يختلفون في الأفعال باختلاف منازلهم، وفي الصفات باختلاف منازلهم، فالحق منزه عن كل شيء وكل تصور، ولنأخذ كل شيء يتعلق به في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ؛ ففعْل ربك يختلف عن فعلك. وإياك أن تُخضع فعله لقانون فعلك؛ لأن فعلك يحتاج إلى علاج وإلى زمن يختلف باختلاف طاقتك وباختلاف قدرتك، والله لا يفعل الأشياء بعلاج بحيث تأخذ منه زمناً ولكنه يقول:{كُنْ فَيَكُونُ} .
كأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا صورة عن الإنجاز الذي لا دخل لاختيار البشر في أن يخالفوا فيه فيقول: ساعة يجيء الأمر انخلعت كل قدرة لمخلوق عن ذلك الأمر وأصبح الأمر لله وحده.
و {فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام} . فيه شيء يظللك وفيه شيء تستظل به، والشيء الذي يظللك لا يكون لك ولاية عليه في أن يظللك إلاّ أن ترى أين ظله وتذهب إليه، وشيء آخر تستطيع أنت التصرف فيه كالمظلة تفتحها في أي مكان تريد.
وكلمة «ظلل» معناها أنها تستر عنك مصدر الضوء؛ ولذلك حينما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يصور لنا ذلك قال:{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله}[لقمان: ٣٢]
أي جاءهم الفزع الأكبر كالظلة محيطاً بهم، فكأن الله يريد أن يخبرنا أن الكون سيندثر كله وسيأتيك الأمر المفزع، الأمر المفجع، والمؤمن كان يتوقعه، وسيدخل