وكأنهم يطلبون نزول ملَك مع الرسول ليُؤنسه ولِيُصدّقوا أنه رسول من عند الله، فهل كان تصديقهم المُعلَّق على هذا الشرط؛ تصديقاً للرسول، أم تصديقاً للملك؟
وسبق أن تناول القرآنُ هذا الأمر في قول الحق سبحانه:{وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً}[الإسراء: ٩٤]
وكأنهم علقوا الإيمان بالرسول على شرط أنه ليس ملكاً؛ بل من صنف البشر، وجاء الرد عليهم:{قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً}[الإسراء: ٩٥]
إذن: فلو نزل رسول من السماء ملَكاً؛ لَمَا استطاع أن يمشي في الأرض مطمئناً؛ فضلاً عن أنه لا يمكن أن يكون أُسْوة وقدوة للبشر؛ لأنه من جنس آخر غير البشر.
ولو نزل عليهم ملك كما زعموا، وقال لهم: افعل ولا تفعل، واستقيموا واستغفروا، وسبِّحوه بُكْرة وأصيلا، لردُّوا عليه قائلين أنت ملَكَ ينطبق عليك قول الحق:{ ... لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: ٦]
وأنت لا تصلح أُسْوة لنا. ثم كيف تتكلمون مع ملَك وهو من طبيعة مختلفة، ولن يستطيع البشر أن يرتفعوا إلى مُسْتواه ليأخذوا