فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} . وكيف يبدل الإنسان نعمة الله؟ . إن نعمة الله حين تصيب خلقاً فالواجب عليهم أن يستقبلوها بالشكران، ومعنى الشكران هو نسبتها إلى واهبها والاستحياء أن يعصوا من أنعم عليهم بها. فإذا استقبل الناس النعمة بغير ذلك فقد بُدِلَت. ولذلك يقول الحق في آية أخرى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً} وما داموا قد بدلوها كفراً، فيكون الكفر هو الذي جاء مكان الإيمان.
إذن كان المطلوب أن يقابلوا النعمة بالإيمان، بالازدياد في التقرب إلى الله، لكنهم بدلوا النعمة بالكفر.
{وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} قد نفهم أن معنى {شَدِيدُ العقاب} هو أمر يتعلق بالآخرة، ولعل أناساً يستبطئون الآخرة، أو أناساً غير مؤمنين بالآخرة، فلو كان الأمر بالعقاب يقتصر على عقاب الآخرة لشقي الناس بمن لا يؤمنون بالآخرة. . أو يستبطئونها لأن هؤلاء يعيثون في الأرض فساداً؛ لأنهم لا يخافون الآخرة ولا يؤمنون بها، أو أنها لا تخطر ببالهم.
فالذي يؤمن بأن هناك آخرة تأتي وسيكون فيها حساب، هو الذي سيكون سلوكه على مقتضى ذلك الإيمان. أما الذي لا يؤمن أن هناك يوماً آخر فالدنيا تشقى به. فإذا لم يعجل الله بلون من العقوبة للذين لا يؤمنون بالآخرة أو الذين يستبطئون الآخرة لشقي الناس بهؤلاء الذين لا يؤمنون أو يستبطئون.
وكل جماعة لا تقبل على منهج الله، ويبدلون نعمة الله كفراً لابد أن يكون لله فيهم عقاب عاجل، وذلك ليعلم الناس أن من لم يرتدع إيماناً وخوفاً من اليوم الآخر فعليه أن يرتدع مخافة أن يأتيه العقاب في الدنيا. فالظالم إذا علم أن ظالماً مثله لقي عقابه وحسابه في الدنيا فسيخاف أن يظل؛ وإن لم يكن مؤمناً بالآخرة، لأنه سيتأكد أن الحساب واقع لا محالة. ولذلك لا يؤجل الله العقاب كله إلى الآخرة ولكن ينزل بعضا منه في الدنيا. ويقول الحق في الذين يبدلون نعمة الله كفراً:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار}[إبراهيم: ٢٨ - ٢٩]