ونعلم أن الحق سبحانه لو شاء لجعل الناس كلهم أثرياء؛ ولم يجعل يداً عليا ويداً سفلي، لكنه سبحانه لم يشأ ذلك؛ ليجعل الإنسان ابْنَ أغيار؛ ويعدل فيه ميزان الإيمان، ولِيدُكّ غرور الذات على الذات، وليتعلم الإنسان أن غروره على ربِّه لن ينال من الله شيئاً، ولن يأتي للإنسان بأي شيء.
وكل مظاهر القوة في الإنسان ليست من عند الإنسان، وليست ذاتية فيه، بل هي موهوبة له من الله؛ وهكذا شاء الحق سبحانه أنْ يُهذِّب الناس لِيُحسِنوا التعامل مع بعضهم البعض.
ولذلك أوضح سبحانه أن عنده خزائنَ كل شيء، ولو شاء لألقى ما فيها عليهم مرة واحدة؛ ولكنه لم يُرد ذلك ليؤكد للإنسان أنه ابْنُ أغيارٍ؛ ولِيلفتَهم إلى مُعْطي كل النعم.
كما أن رتابة النعمة قد تُنسِي الإنسانَ حلاوة الاستمتاع بها، وعلى سبيل المثال أنت لا تجد إنساناً يتذكّر عَيْنه إلا إذا آلمتْه؛ وبذلك يتذكر نعمة البصر، بل وقد يكون فَقْد النعمة هو المُلفِت للنعمة، وذلك لكي لا ينسي أحد أنه سبحانه هو المُنعِم.
ويقول سبحانه من بعد ذلك:{وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ ... }