للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأن الله يريد من خلقه استطراق أرزاقهم على غيرهم، وكل إنسان متميز وتزيد عنده حاجة عليه أن يردها على الناس، لكن الناس لا تفهم الرزق إلا على أنه مال، ولا يفهمون أنه يطلق على كل شيء ينتفعون به.

إذا كان الأمر كذلك فما معنى {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} كلمة {بِغَيْرِ حِسَابٍ} لابد أن نفهمها على أن الحساب يقتضي مُحاسِب، ومُحَاسَب، ومُحَاسَب عليه. وعلى هذا يكون {بِغَيْرِ حِسَابٍ} ممن ولمن وفي ماذا؟

إنه رزق بغير حساب من الله؛ فقد يرزقك الله على قدر سعيك. وربما أكثر، وهو يرزق بغير حساب، لأنه لا توجد سلطة أعلى منه تقول له: لماذا أعطيت فلانا أكثر مما يستحق.

وهو يرزق بغير حساب؛ لأن خزائنه لا تنفد. ويرزق بغير حساب؛ لأنه لا يحكمه قانون، وإنما يعطي بطلاقة القدرة. إنه جل وعلا يعطي للكافر حتى تتعجب أنت وتقول: يعطي الكافر ولا يعطي المؤمن لماذا؟

إذا استطاع أحد أن يحاسبه فليسأله لماذا يفعل ذلك؟ إنه يعطي مقابلا للحسنة سبعمائة ضعف بغير حساب. إن الحساب إنما يأتي عندما تأخذ معدوداً، فإذا أخذت مثلا مائة من ألف فأنت طرحت معدوداً من معدود فلا بد أن ينقص، وعندما تراه ينقص فأنت تخاف من العطاء.

لكن الله بخلاف ذلك، إنه يعطي معدوداً من غير معدود.

إذن ساعة تقرأ {بِغَيْرِ حِسَابٍ} فقل إن الحساب إن كان واقعا من الله على الغير، فهو لا يعطي على قدر العمل بل يزيد، ولن يحاسب نفسه ولن يُحاسبه أحد. {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} [النحل: ٩٦]

إذن {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} تجعل كل إنسان يلزم أدبه إن رأى غيره قد

<<  <  ج: ص:  >  >>