وعندما سمع الأعراب ذلك قالوا: نحمد الله، فمازال هناك أمل أن نؤمن. لقد أراد الله أن يكون الأعراب صادقين مع أنفسهم، وقد نزلت هذه الآية كما يقول بعض المفسرين في قوم من بني أسد، جاءوا إلى المدينة في سنة جدب، وأعلنوا الشهادة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقالوا:«لا إله إلا الله محمد رسول الله» ، وكانوا يطلبون الصدقة، ويحاولون أن يمنوا على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأنهم لم يقاتلوه كما فعل غيرهم، فجاءت هذه الآية لتوضح أن الإيمان درجة أرقى من إظهار الإسلام. لكن ذلك لا يعني أنهم منافقون، ولذلك يوضح القرآن الكريم أن إظهار الإسلام لا يعني الإيمان؛ لأن الإيمان عملية قلبية.
لقد أعلنوا الخضوع لله، وأرادوا أن يقوموا بأعمال المسلمين نفسها لكن ليس هذا هو كل الإيمان. وهم قالوا:{آمَنَّا} فقال الحق لهم: لا لم تؤمنوا وكونوا صادقين مع أنفسكم فالإيمان عملية قلبية، ولا يقال إنك آمنت؛ لأنها مسألة في قلبك، ولكن قل أسلمت، أي خضعت وفعلت مثلما يفعل المؤمنون، فهل فعلت ذلك عن إيمان أو غير إيمان.
إن ذلك هو موضوع آخر. هنا تقول الآية:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} أي لا يمكن أن تدخلوا الجنة إلا إذا جاءكم من الابتلاء مثل من سبقكم من الأمم ولابد أن تُفتنوا وأن تمحصوا ببأساء وضراء، ومن يثبت بعد ذلك فهو يستحق أن يدخل الجنة، فلا تظنوا أنكم أمة متميزة عن غيركم في أمر الاختبار، فأنتم لن تدخلوا الجنة بلا ابتلاء، بل على العكس سيكون لكم الابتلاء على قدر النعماء.
أنتم ستأخذون مكانة عالية في الأمم ولذلك لابد أن يكون ابتلاؤكم على قدر مكانتكم، فإن كنتم ذوي مكانة عالية وستحملون الرسالة الخاتمة وتنساحون في