نقول: لأن العالمَ كان قديماً على هيئة الانعزال، فكُلّ جماعة منعزلة في مكانها عن الأخرى لعدم وجود وسائل للمواصلات، فكانت كل جماعة في أرض لا تدري بالأخرى، ولا تعلم عنها شيئاً.
ومن هنا كان لكُلِّ جماعة بيئتُها الخاصة بما فيها من عادات وتقاليد ومُنكَرات تناسبها، فهؤلاء يعبدون الأصنام، وهؤلاء يُطفِّفون الكيل والميزان، وهؤلاء يأتون الذكْران دون النساء.
إذن: لكل بيئة جريمة تناسبها، ولا بُدَّ أن نرسل الرسل لمعالجة هذه الجرائم، كُلّ في بلد على حِدَة.
لكن رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كانت على موعد مع التقاءات الأمكنة مع وجود وسائل المواصلات، لدرجة أن المعصية تحدث مثلاً في أمريكا فنعلم بها في نفس اليوم. . إذن: أصبحتْ الأجواء والبيئات واحدة، ومن هنا كان منطقياً أن يُرْسلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للناس كافة، وللأزمنة كافة.
وقد عبَّر القرآن الكريم عن هذه الشمولية بقوله:{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً. .}[سبأ: ٢٨] .
أي: للجميع لم يترك أحداً، كما يقول الخياط: كففْتُ القماش أي: جمعتُ بعضه على بعض، حتى لا يذهبَ منه شيءٌ.
ثم يقول الحق سبحانه:
{أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ... }[النحل: ٣٦] .