فالمسألة ميزان فكري يتحكم في المحسَّات ويُنظم القضايا، لنرى أولاً ما يريده الله بتاً وما يريده اجتهاداً، وما دام اجتهاداً فما وصل إليه المجتهد يصح أنْ يعبد الله به، ولكن آفة الناس في الأمور الاجتهادية أن منهم مَنْ يتهم مخالفه، وقد تصل الحال بهؤلاء إلى رَمْي مخالفيهم بالكفر والعياذ بالله.
ونقول لمثل هذا: اتق الله، فهذا اجتهادٌ مَنْ أصاب فيه فَلَهُ أجران، ومَنْ أخطأ فله أجر. . ولذلك نجد من العلماء مَنْ يعرف طبيعة الأمور الاجتهادية فنراه يقول: رَأْيي صواب يحتمل الخطأ، ورَأْي غيري خطأ يحتمل الصواب. وهكذا يتعايش الجميع وتُحتَرم الآراء.
ومن رحمة الله بعباده أن يأمرهم بالتفكُّر والتدبُّر والنظر؛ ذلك لأنهم خَلْقه سبحانه، وهم أكرم عليه من أنْ يتركهم للضلال والكفر، بعد أن أكرمهم بالخَلْق والعقل، فأراد سبحانه أن يكرمهم إكراماً آخر بالطاعة والإيمان.
وكأنه سبحانه يقول لهم: رُدُّوا عقولكم ونفوسكم عن كبرياء الجدل ولَجَج الخصومة، وإنْ كنتم لا تؤمنون بالبعث في الآخرة، وبما أُعدَّ للظالمين فيها من عقاب، فانظروا إلى ما حدث لهم وما عُجِّل لهم من عذاب في الدنيا.