فالسموات والأرض والجبال كان لها اختيار، وقد اختارت التسخير، وانتهت المسألة في بداية الأمر، ومع ذلك فهي مُسخَّرة وتُؤدِّي مهمتها لخدمة الإنسان، فالشمس لم تعترض يوماً ولم ترفض. . فهي تشرق على المؤمن كما تشرق على الكافر. . وكذلك الهواء والأرض والدابة الحلوب، وكل ما في كون الله مُسخَّر للجميع. . إذن: كل هذه الأشياء لها مهمة، وتؤدي مُهمتها على أكمل وجه.
ولذلك يقول تعالى في حقِّ هذه الأشياء:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب ... }[الحج: ١٨]
هكذا بالإجماع، لا يتخلّف منها شئ عن مُراد ربه.
فما الحال في الإنسان؟ يقول تعالى:{وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس}[الحج: ١٨] .
ولم يَقُلْ: والناس. ثم قال:{وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب}[الحج: ١٨] .
هذا هو الحال في الإنسان المكرّم الذي اختاره الله وترك له الاختيار. . إنما كل الأجناس مُؤدّيه واجبها؛ لأنها أخذتْ حظّها من الاختيار الأول، فاختارت أن تكون مُسخَّرة، وأن تكون مقهورة.
فالإنسان. . واحد يقول: لا إلهَ في الوجود. . العالم خُلِق هكذا بطبيعته، وآخر يقول: بل هناك آلهة متعددة؛ لأن العالم به مصالح كثيرة وأشياء لا ينهض بها إله واحد. . يعني: إله للسماء، وإله للأرض، وإله للشمس. . الخ.