{مِّنَ السماوات والأرض شَيْئاً.
.} [النحل: ٧٣] .
فالرزق من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، ومن المصدرين يأتي رزق الله، وبذلك يضمن لنا الحق تبارك وتعالى مُقوِّمات الحياة وضرورياتها من ماء السماء ونبات الأرض.
فإنْ أردتُمْ ترفَ الحياة فاجتهدوا فيما أعطاكم الله من مُقوِّمات الحياة لِتصلوا إلى هذا الترف.
فالرزق الحقيقي المباشر ما أنزله الله لنا من مطر السماء فأنبت لنا نبات الأرض.
ونُوضِّح ذلك فنقول: هَبْ أن عندك جبلاً من ذهب، أو جبلاً من فضة، وقد عضَّك الجوع في يوم من الأيام. . هل تستطيع أنْ تأكلَ من الذهب أو الفضة؟
إنك الآن في حاجة لرغيف عيش، لا لجبل من ذهب أو فضة. . رغيف العيش الذي يحفظ لك حياتك في هذا الموقف افضل من هذا كله.
وهذا هو الرزق المباشر الذي رزقه الله لعباده، أما المال فهو رِزْق غير مباشر، لا تستطيع أن تأكل منه أو تعيش عليه.
وكلمة: (شَيْئَاً) أي: أقلّ ما يُقَال له شيء، فالأصنام والأوثان لا تملك لهم رزقاً مهما قَلَّ؛ لأنه قد يقول قائل: لا يملكون رِزْقاً يكفيهم. . لا. . بل لا يملكون شيئاً.
ثم يعطينا الحق سبحانه لمحة أخرى في قوله تعالى:
{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} [النحل: ٧٣] .
أي: لا يملكون لهم رِزْقاً في الحاضر، ولن يملكوا في المستقبل، وهذا يقطع الأمل عندهم، فهُمْ لا يملكون اليوم، ولن يملكوا غداً؛ ذلك لأن هناك أشياء ينقطع الحكم فيها وَقْتاً. . وأشياء مُعلّقة يمكن أن تُسْتأنفَ فيما بعد، فهذه الكلمة:
{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} [النحل: ٧٣] .
حُكْم قاطع لا استئناف له فيما بَعْد.
ولذلك؛ نجد هؤلاء الذين يُحِبّون أنْ يجدوا في القرآن مَأْخذاً يجادلون في قوله تعالى: {قُلْ ياأيها الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} [الكافرون: ١ - ٥] .
فهؤلاء يروْن في السورة تكراراً يتنافى وبلاغةَ القرآن الكريم. . نقول: ليس في السورة تكرار لو تأملتُم. . ففي السورة قَطْع علاقات على سبيل التأبيد والاستمرار، فالحق سبحانه يقول: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: ٦] .