وينبهنا الحق سبحانه تنبيها آخر، إنه يلفتنا إلى أننا لا نملك أمر الساعة، فالساعة تأتي بغتة ومفاجئة، وصاخة طامة، مرجفة مزلزلة. فاحذروا أن تصيبكم هذه الرجفة وأنتم في غفلة عنها. وكل ذلك لندخل أيضا في السلام في اليوم الآخر، وكأن الحق سبحانه يلفتنا إلى أن كلمات القرآن ليست مجرد كلمات نظرية، ولكنها كلمات الحكيم الخبير التي حكمت تاريخ الأمم التي سبقت دعوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
فكم من آيات أرسلها الحق إلى بني إسرائيل فتلكأوا وكان منهم ما كان، وشقوا هم، وشقي بهم المجتمع، إذن فالكلام ليس كلاماً نظرياً. ويريد الله لنا أن ننظر بعمق إلى أمور الحياة، وألا ننظر إلى سطحيات الأمور، فيجب ألا تخدعنا زينة الحياة الدنيا عن الحياة الآخرة؛ لأن الحياة الدنيا أَمَدُها قصير، وعلينا أن نقيس عمر الدنيا بأعمارنا منها، وأعمارنا فيها قصيرة؛ لأن منا من يموت كبيراً ومنا من يموت صغيراً.
ويبين لنا الحق سبحانه أنه لم يترك خلقه هملاً، وإنما أرسل لهم رسُلاً يبينون لهم منهج الله، فكان الناس أمة واحدة مجتمعة على الحق إلى أن تحركت الأهواء في نفوسهم، ومع ذلك رحمهم الله فلم يسلمهم إلى الأهواء، بل استمر موكب الرسالات في البشر، وكلما غلبتهم الأهواء وطم الفساد، أرسل الحق برحمته رسولا لينبه إلى أن جاء الرسول الخاتم الذي ميزه الله بخلود منهجه، وجعل القيم في أمته. وصارت الأمة المحمدية هي حاملة أمانة حراسة المنهج الذي يصون حركة الحياة في الأرض؛ لأن الحق سبحانه لم يأمن أمة سواها، ولذلك كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خاتم الأنبياء.
ثم نبهنا الله من بعد ذلك إلى أن نهاية الإنسان إلى نعيم الله في الجنة لن يأتي سهلاً ميسوراً، بل هو طريق محفوف بالمكارة، فيجب أن تنبهوا أنفسكم وتروضوها وتدربوها على تحمل هذه المكاره، وتوطنوها على تحملها لتلك المشاق. كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» .