إذن: لا تتم النعمة إلا بحفظ السلامة العامة للمجتمع.
وقوله:{لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ. .}[النحل: ٨١] .
تُسلِمون: أي تُلْقون زمام الاستسلام إلى الله الذي أسلمتَ له، وأنت لاَ تُلقي زمامك إلا لمنْ تثق فيه. . والإنسان قد يُلقي زمامه في أمر لا يجيده إلى إنسان مثله يُجيد هذا الأمر، فإذا كنتَ في حاجات نفسك تُلقي زمامك لمن هو مثلك، ويساويك في قِلّة المعلومات، ويساويك في قِلّة الحكمة، ومع ذلك تُسلِم إليه أمرك لمجرد أنه يجيد شيئاً لا تجيده أنت، أفلا تُلقي زمامك وتُسلِم أمرك إلى ربك وخالقك، وخالق كُلِّ هذه النعم من أجلك؟
إذن: جاء ذِكْر هذه النعم، ثم الأمر بإسلام الوجه لله والتسليم له سبحانه حتى نُسلمَ عن يقين واقتناع، فالحق تبارك وتعالى ليس له مصلحة في طاعتنا، ولا تضره معصيتنا، إنْ أطعناه فلن نزيد في مُلْكِه سبحانه، وإنْ عصيناه فلن ننقصَ من مُلْكه سبحانه.
إذن: تسليمنا الأمر والزمام لله من مصلحتنا نحن. . فالإنسان حينما يُسلِم زمامه إلى غيره قد يكون للغير مصلحة تَلْوي رَأْيه في المسألة، إنما ربُّنا سبحانه حينما يُوجِّه إلينا حُكْماً فليس له مصلحة فيه فلا يُلْوَى، لا يكون إلاّ لصالحك.
وبعد أنْ عدّد هذه النعم في الذات والمحيطات وفي السكن وفي الانطباعات. قال: إياك بعد ذلك أن تُسلِمَ زمامك لغيري، وإنْ أجريتُ عليك ما يُخرجك عن نفع السلامة؛ لأنني لا أجري عليك ما يُخرجك عن نفس السلامة إلا لغرض أسلم منه.
لذلك نقول: لا عبادة كالتسليم؛ لأن التسليم لحُكْمِه تسليمٌ