ولكن، كيف رَدَّ عليهم القرآن؟ لم يُوضح لهم القرآن الكريم كيف يحدث الهلال، وأن الأرض إذا حالتْ بين الشمس والقمر وحجبت عنه ضوء الشمس نتج عن ذلك وجود الهلال ومراحله المختلفة.
فهذا التفصيل لا تستوعبه عقولهم، وليس لديهم من الثقافة ما يفهمون به مثل هذه القضايا الكونية؛ لذلك يقول لهم: اصرفوا نظركم عن هذه، وانظروا إلى حكمة الخالق سبحانه في الأهلة:
فردّهم إلى أمر يتعلق بدينهم التقليدي، فاهتمّ ببيان الحكمة منها، وفي نفس الوقت ترك هذه المسألة للزمن يشرحها لهم، حيث سيجدون في القرآن ما يُعينهم على فَهْم هذا الموضوع.
إذن: قوله تعالى: {مِن شَيْءٍ. .}[الأنعام: ٣٨] .
أي: من كل شيء تكليفيّ، إنْ فعله المؤمن أثيب، وإنْ لم يفعله يُعاقب، أما الأمور الكونية فيعطيهم منها على قدر وَعْيهم لها، ويترك للزمن مهمة الإبانة بما يحدث فيه من فكر جديد.
لذلك نرى القرآن الكريم لم يفرغ عطاءه كله في القرآن الذي نزل فيه، فلو فعل ذلك لاستقبل القرون الأخرى بغير عطاء، فالعقول تتفتّح على مَرِّ العصور وتتفتّق عن فكر جديد، ولا يصح أنْ يظلَّ العطاء الأول هو نفسه لا يتجدد، لا بُدَّ أن يكون لكل قرن عطاء جديد يناسب ارتقاءات البشر في علومه الكونية. «