ففهم البعض الآية على أنها دعوة للعمل للدنيا وأخذ الحظوظ منها، ولكن المتأمل لمعنى الآية يجد أن الحق سبحانه يجعل الدنيا شيئاً هيّناً مُعرَّضاً للنسيان والإهمال، فيُذكِّرنا بها، ويحثُّنا على أن نأخذ منها بنصيب، فأنا لا أقول لك: لا تنسَ الشيء الفلاني إلا إذا كنتُ أعلم أنه عُرْضَة للنسيان، وهذا جانب من جوانب الوسطية والاعتدال في الإسلام.
ويكفينا وَصْف هذه الحياة بالدنيا، فليس هناك وَصْفٌ أقلّ من هذا الوصف، والمقابل لها يقتضي أن نقول: العُلْيا وهي الآخرة، نعم نحن لا ننكر قَدْر الحياة الدنيا ولا نبخسها حقها، ففيها الحياة والحسّ والحركة، وفيها العمل الصالح والذكْرى الطيبة. . الخ.
ولكنها مع ذلك إلى زوال وفناء، في حين أن الآخرة هي الحياة الحقيقية الدائمة الباقية التي لا يعتريها زوال، ولا يهددها موت، كما قال الحق سبحانه:{وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}[العنكبوت: ٦٤] .
أي: الحياة الحقيقية التي يجب أن نحرص عليها ونحبها.
ومن ذلك قوله تعالى:{ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ. .}[الأنفال: ٢٤] .
ما معنى (لِمَا يُحْييكُمْ) والقرآن يخاطبهم وهم أحياء يُرزَقُون؟ قالوا: يُحييكم أي: الحياة الحقيقية الباقية التي لا تزول.