فالنفاق في المدينة ظاهرة صحية للإيمان؛ لأن الإيمان لو لم يكن قوياً في المدينة لما نافقه المنافقون.
ومن هنا جعل الله المنافقين في الدرْكِ الأسفل من النار، لأنه مُندَسٌّ بين المؤمنين كواحد منهم، يعايشهم ويعرف أسرارهم، ولا يستطيعون الاحتياط له، فهو عدو من الداخل يصعُب تمييزه. على خلاف الكافر، فعداوته واضحة ظاهرة معلنة، فيمكن الاحتياط له وأخذ الحذر منه.
ولكن لماذا الحديث عن النفاق ونحن بصدد الحديث عن عبادة الله وحده وبِرِّ الوالدين؟
الحق سبحانه وتعالى أراد أنْ يُعطينا إشارة دقيقة إلى أن النفاق كما يكون في الإيمان بالله، يكون كذلك في برِّ الوالدين، فنرى من الأبناء مَنْ يبرّ أبويْه نفاقاً وسُمْعة ورياءً، لا إخلاصاً لهما، أو اعترافاً بفضلهما، أو حِرْصاً عليهما.
ولهؤلاء يقول تعالى:{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ. .}[الإسراء: ٢٥]
لأن من الأبناء مَنْ يبرّ أبويه، وهو يدعو الله في نفسه أنْ يُريحه منهما، فجاء الخطاب بصيغة الجمع:{رَّبُّكُمْ} أي: رب الابن، وربّ الأبوين؛ لأن مصلحتكم عندي سواء، وكما ندافع عن الأب ندافع أيضاً عن الابن، حتى لا يقعَ فيما لا تُحمد عُقباه.
وقوله:{إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ. .}[الإسراء: ٢٥]
أيْ: إن توفّر فيكم شَرْط الصلاح، فسوف يُجازيكم عليه الجزاء الأوفى. وإنْ كان غَيْر ذلك وكنتم في أنفسكم غير صالحين غير