وقد سبق أنْ أوضحنا الحكمة من هذا الاعتدال في الإنفاق، وقلنا: إن الإنفاق المتوازن يُثري حركة الحياة، ويُسهم في إنمائها ورُقيّها، على خلاف القَبْض والإمساك، فإنه يُعرقِل حركة الحياة، وينتج عنه عطالة وبطالة وركود في الأسواق وكساد يفسد الحياة، ويعرق حركتها.
إذن: لا بُدَّ من الإنفاق لكي تساهم في سَيْر عجلة الحياة، ولا بُد أن يكون الإنفاق معتدلاً حتى تُبقِي على شيء من دَخْلك، تستطيع أن ترتقي به، وترفع من مستواك المادي في دنيا الناس.
فالمبذر والمسْرف تجده في مكانه، لا يتقدم في الحياة خطوة واحدة، كيف وهو لا يُبقِي على شيء؟ وبهذا التوجيه الإلهي الحكيم نضمن سلامة الحركة في الحياة، ونُوفِّر الارتقاء الاجتماعي والارتقاء الفردي.
ثم تأتي النتيجة الطبيعية للإسراف والتبذير:{فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً}[الإسراء: ٢٩]
وسبق أنْ أوضحنا أن وَضْع القعود يدلّ على عدم القدرة على القيام ومواجهة الحياة، وهو وَضْع يناسب مَنْ أسرف حتى لم يَعُدْ لديه شيء.
وكلمة {فَتَقْعُدَ} تفيد انتقاص حركة الحياة؛ لأن حركة الحياة تنشأ من القيام عليها والحركة فيها؛ لذلك قال تعالى:{لاَّ يَسْتَوِي القاعدون مِنَ المؤمنين غَيْرُ أُوْلِي الضرر والمجاهدون فِي سَبِيلِ الله. .}[النساء: ٩٥]