للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما دامت هذه الأحكام تعطينا بقدر ما تأخذ مِنّا فهي أحكام عادلة.

وحُكْم القصاص يجعل الإنسان حريصاً على نفسه، ويمنعه أنْ يُقدِم على القَتْل، فإنْ غفل عن هذا الحكم وارتكب هذه الجريمة فلا بُدَّ أن يقتصَّ منه؛ فإن أخذتنا الشهامة وتشدَّقْنا بالإنسانية والكرامة والرحمة الزائفة، وعارضنا إقامة الحدود فليكُنْ معلوماً لدينا أن مَنْ يعارض في إعدام قاتل فسوف يتسبب في إعدام الملايين، وسوف يفتح الباب لفوضى الخلافات والمنازعات، فكلّ من اختلف مع إنسان سارع إلى قَتْله؛ لأنه لا يوجد رادع يُردِعه عن القتل.

إذن: لكي نمنع القتل لا بُدَّ أن نُنفِّذَ حكم الله ونُقيم شَرعه ولو على أقرب الناس؛ لأن هذه الأحكام ما نزلتْ لتكون كلاماً يُتلَى وفقط؛ بل لتكون منهجاً عملياً يُنظِّم حياتنا، ويحمي سلامة مجتمعنا.

لذلك جعل الحق سبحانه وتعالى تنفيذ هذه الأحكام علانية أمام الجميع، وعلى مَرْأى ومَسْمع المجتمع كله؛ ليعلموا أن أحكام الله ليست شفوية، بل ها هي تُطبِّق أمامهم، وصدق الله تعالى حين قال: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين} [النور: ٢]

والذين اعترضوا على القصاص اعترضوا أيضاً على إقامة حَدّ الردَّة، ورأوا فيه وحشية وكَبْتاً للحرية الدينية التي كفَلها الإسلام في قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين. .} [البقرة: ٢٥٦]

والحقيقة أن الإسلام حينما شرع حَدَّ الردة، وقال بقتل المرتد عن الدين أراد أن يُصعِّب على غير المسلمين الدخول في الإسلام، وأن يُضيِّق عليهم هذا الباب حتى لا يدخل في الإسلام إلا مَنْ أخلص له،

<<  <  ج: ص:  >  >>