أولا تقابله، إنما إذا عاهدتَه على المقابلة فقد أصبحتَ مُلْزماً بالوفاء؛ لأن المقابل لك قد رتَّبَ نفسه على أساس هذا اللقاء، فإنْ أخلفتَ معه العهد فكأنك أطلقتَ لنفسه حرية الحركة، وقيَّدتَ حركة الآخر.
وهذه صفة لا تليق أبداً بالمؤمنين، وقد جعلها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من صفات المنافقين.
وقوله:{إِنَّ العهد كَانَ مَسْؤُولاً}[الإسراء: ٣٤]
قد يكون المعنى: أي مسئولاً عنه، فيسأل كل إنسان عن عهده أوفَّى به أم أخلفه؟
وقد يراد {مَسْؤُولاً} أي: مسئول ممَّنْ تعاقد عليه أنْ يُنقّذه، وكأنه عدَّى المسئولية إلى العهد نفسه، فأنا حُرٌّ وأنت حُرٌّ، والعهد هو المسئول.
والحق سبحانه وتعالى يستعمل اسم المفعول في مواضع تقول للوهلة الأولى أنه في غير موضعه، ولكن إذا دققتَ النظر تجده في موضعه بليغاً غايةَ البلاغة، كما في قوله تعالى:{وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً}[الإسراء: ٤٥]
هكذا بصيغة اسم المفعول، والحجاب في الحقيقة ساتر وليس مستوراً، ولكن الحق سبحانه يريد أنْ يجعلَ الحجاب صفيقاً، كأنه