ومعظم الناس يهتمون بهذه الناحية من التفاوت، ويَدَعُون غيرها من النواحي الأخرى، وهذا لا يصح، بل انظر إلى الجوانب الأخرى في حياة الإنسان، وإلى الزوايا المختلفة في النفس الإنسانية، ولو سلكتَ هذا المسلك فسوف تجد أن مجموع كل إنسان يساوي مجموع كل إنسان، وأن الحصيلة واحدة، وصدق الله العظيم القائل:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ. .}[الحجرات: ١٣]
وما دام المجتمع الإيماني على هذه الصورة فلا يصح لأحد أنْ يرفعَ رأسه في المجتمع ليعطي لنفسه قداسةً أو منزلة فوق منزلة الآخرين، فقال تعالى:{وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً. .}[الإسراء: ٣٧]
أي: فخراً واختيالاً، أو بَطَراً أو تعالياً؛ لأن الذي يفخر بشيء ويختال به، ويظن أنه أفضل من غيره، يجب أن يضمن لنفسه بقاء مَا افتخر به، بمعنى أن يكون ذاتياً فيه، لا يذهب عنه ولا يفارقه، لكن من حكمة الله سبحانه أنْ جعل كل ما يمكن أن يفتخر به الإنسان هِبةً له، وليست أصيلة فيه.
كل أمور الإنسان بداية من إيجاده من عدم إلى الإمداد من عُدم هي هبة يمكن أنْ تسترد في يوم من الأيام، وكيف الحال إذا تكبَّرْتَ بمالك، ثم رآك الناس فقيراً، أو تعاليت بقوتك ثم رآك الناس عليلاً؟
إذن: فالتواضع والأدب أليَقُ بك، والتكبُّر والتعالي لا يكون إلا للخالق سبحانه وتعالى، فكيف تنازعه سبحانه صفة من صفاته؟ وقد نهانا الحق سبحانه عن ذلك؛ لأنه لا يستحق هذه الصفة إلا هو سبحانه وتعالى، وكَوْنُ الكبرياء لله تعالى يعصمنا من الاتضاع للكبرياء الكاذب من غيرنا.