وقد جاء الواقع مطابقاً لما شرع الله عندما وقعت حادثة «جميلة» أخت «عبد الله ابن أبي» حينما كانت زوجة لعبد الله بن قيس، فقد ذهبت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقالت:«أنا لا أتهمه في دينه ولا خلقه ولكن لا أحب الكفر في الإسلام» وهي تقصد أنها عاشت معه وهي تبغضه، لذلك لن تؤدي حقه وذلك هو كفر العشير أي إنكار حق الزوج وترك طاعته.
وهي قد قالت: إنها لا تتهمه لا في دينه ولا في خلقه لتعبر بذلك عن معانٍ عاطفية أخرى، فأراد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يعلم منها ذلك، فقالت: لقد رفعت الخباء فوجدته في عدة رجال فرأيته أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً، فقال لها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«» أتردين حديقته «؟ فقالت: وإن شاء زدته، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لا حاجة لنا بالزيادة، ولكن ردي عليه حديقته» .
ويُسمى هذا الأمر بالخلع، أي أن تخلع المرأة نفسها من زوجها الذي تخاف ألا تؤدي له حقاً من حقوق الزوجية، إنها تخلع نفسها منه بمال حتى لا يصيبه ضرر، فقد يريد أن يتزوج بأخرى وهو محتاج إلى ما قدم من مهر لمن تريد أن تخلع نفسها منه. ويتابع الحق سبحانه:{وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} وهذا الشيء هو الذي قال عنه الله في مكان آخر: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً}[النساء: ٢٠]
ويتابع الحق الآية بقوله:{إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} والمقصود هنا هما الزوجان، ومن بعد ذلك تأتي مسئولية أولياء أمر الزوجين والمجتمع الذي يهمه أمرهما في قوله:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فأولئك هُمُ الظالمون} .
وحدود الله هي ما شرعه الله لعباده حداً مانعاً بين الحل والحرمة. وحدود الله إما أن ترد بعد المناهي، وإما أن ترد بعد الأوامر، فإن وردت بعد الأوامر فإنه يقول: