للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان كافراً لا يزال يتقلّب في عطاء الربوبية، فلا يُحرم منها الكافر بكفره ولا عاص بمعصيته، بل كما قال تعالى: {كُلاًّ نُّمِدُّ هؤلاء وهؤلاء مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ. .} [الإسراء: ٢٠]

وسبق أنْ فرَّقنا بين عطاء الربوبية المتمثّل في كل نِعَم الحياة وبين عطاء الألوهية، وهو التكليف الذي يقتضي عبداً ومعبوداً، وافعل ولا تفعل.

إذن: عطاء الربوبية عام للجميع ودائم للجميع، فكان على الإنسان أن يقف مع نفسه وقفة تأمُّل في هذه النعم التي تُسَاق إليه دون سَعْي منه أو مجهود، هذه الشمس وهذه الأرض وهذا الهواء، هل له قدرة عليها؟ هل تعمل له بأمره، إنها أوليات النعم التي أجراها الله تعالى من أجله، وسخّرها بقدرته من أجله، ألا تدعوه هذه النعم إلى الإيمان بالمنعم سبحانه وتعالى؟

وسبق أنْ ضربنا مثلاً للاستدلال على الخالق سبحانه بما أودعه في الكون من ظواهر وآيات بالرجل الذي انقطعت به السُّبُل في صحراء، حتى أوشك على الهلاك، وفجأة رأى مائدة عليها ما يشتهي من الطعام والشراب، ألاَ تثير في نفسه تساؤلاً عن مصدرها قبل أن تمتدَّ إليها يده؟

وكذلك الكافر الذي يتقلَّب في نِعَم لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، وقد طرأ على الكون فوجده مُعدّاً لاستقباله مُهَيئاً لمعيشته، فكان عليه أنْ يُجري عملية الاستدلال هذه، ويأخذ من النعمة دليلاً على المنعِم.

والحق تبارك وتعالى لا يمنع عطاء ربوبيته عَمَّنْ كفر، بل إن

<<  <  ج: ص:  >  >>