ثم تأتي الحالة الثالثة من أحوالهم:{إِذْ يَقُولُ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً}[الإسراء: ٤٧]
وهذا هو القول المعْلَن عندهم، أن يتهموا رسول الله بالسحر مرة، وبالجنون أخرى، ومرة قالوا: شاعر. وأخرى قالوا: كاهن. وهذا كله إفلاس في الحجة، ودليل على غبائهم العقديّ.
وكلمة {مَّسْحُوراً} اسم مفعول من السحر، وهي تخييل الفِعْل. وليس فعلاً، وتخييل القَوْل وليس قولاً، فهي صَرْف للنظر عن إدراك الحقائق، أما الحقائق فهي ثابتة لا تتغير.
لذلك نقول: إن معجزة موسى عليه السلام من جنس السحر وليست سِحْراً؛ لأن ما جرى فيها كان حقيقة لا سِحْراً، فقد انقلبتْ العصا حَيَّة تبتلع حبال السحرة وعِصيّهم على وَجْه الحقيقة، لكن لما كانت المعجزة في مجال السحر ظنها الناسُ سِحْراً؛ لأن القرآن قال في سحرة فرعون:{سحروا أَعْيُنَ الناس}[الأعراف: ١١٦] وقال في آية أخرى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى}[طه: ٦٦]
إذن: فحقيقة الأشياء ثابتة لا تتغير، فالساحر يرى العصا عصا، أما المسحور فيراها حية، وليست كذلك مسألة موسى عليه السلام وليؤكد لنا الحق سبحانه هذا المعنى، وأن ما حدث من موسى ليس من سحرهم وتغفيلهم أنه حينما قال له:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى}[طه: ١٧]
فأطال موسى عليه السلام الكلام؛ لأنه أحب الأُنْس بالكلام