للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هذا الحال. فاجتمعَ الأطبّاء بحُضُور الرَّشيد على إعطائه أدوية قابضة مُخْشِنَة للمعِدة والأمعاء، فقال الرَّشيد: عندَهُ امتلاء، وهو يحتاج إلى الاستفراغ بعدُ، فسقيناهُ برأيه دواءً مُسْهِلًا فانْسَهَلَ به نحو سبعين مَجْلسًا وماتَ. وصَدَّقه الرَّشيدُ على ذلك. فقال الجُوبان: فأنتَ يا رشيد قتلتَهُ، فأمرَ بقتله، واستأصلوا جميعَ أموالِه وأملاكِه، وقَتَلُوا قبله ولدَهُ إبراهيم من أبناء ست عَشْرة (١) سنة. وحُمل برأس الرَّشِيد إلى تِبْريز، ونُودي عليه: هذا رأس اليَهوديّ الذي بَدَّل كلامَ الله، لعنَهُ الله، وقُطِّعت أعضاؤه، وحُمِلَ كل عُضْو إلى بَلَدٍ، وأُحرِقَت الجُثّة، وقامَ في ذلك الوزير عليّ شاه التِّبريزي.

وكانَ قَتْلُ الرَّشيد وهو من أبناء الثَّمانين. وخَلَّف عِدّة أولاد. وله مصنَّفات وعَمَائر عَظِيمة، وكانت رُتْبتُه فوقَ رُتبة الوزير.

حرَّرَ ذلك عزُّ الدِّين الإرْبِليُّ، ولخّصتُهُ من خَطِّه.

وكانَ الرَّشيدُ عدوًّا للإسلام تَسَتَّر بالإسلام، وكانَ مُلْحِدًا، ولما قَدِم علينا تاجُ الدِّين الأفْضَلِي التِّبريزي حاجًّا إلى دمشقَ في رَمَضان من هذه السَّنة زُرْناهُ، فذكر قَتْلَ الرَّشِيد والنِّداء عليه، وقال: قَتْلُه أعظم من قَتْل مئة ألفٍ من النَّصارَى، فإنَّه كانَ يكيدُ الإسلامَ.

قال عزُّ الدِّين الإرْبِليُّ: والأفْضلِيُّ كانَ قد تَكَلَّم في الرَّشِيد مرّةً وقال: هو يَهُوديّ وقد بَدّل كلامَ الله، فقَصدَهُ الرَّشِيد لينتقِمَ لنَفْسِه منه، فاختفَى الأفْضَلِيُّ منه مدّة، ثم وقعت فيه شَفاعة فعَفَى عنه وطَلَبَهُ إليه وطيَّبَ قلبَهُ وخَلَعَ عليه خِلْعةً سَنِية، فلم يقبلها منه، وبَقِيَ في نَفْس الأفْضَلِيُّ عليه إلى الآن يذمّه حيًّا ومَيِّتًا، والرَّشِيدُ ما دَخَلَ في الإسلام كَرْهًا، وقد كانَ يُناصِحُ المُسلمينَ ويَخْدمُهم في كلِّ الأحوال.


(١) في الأصل: "ست عشر".

<<  <  ج: ص:  >  >>