للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعيسى، وأبو الرديني جدُّ الردنة، ومحمد جدُّ الفواطم. ولم يزل جَمَّاز مستقلاً في ولايته إلى رأس السبعمائة، فلما وجد شمس الشَّباب قد غربت في عينٍ حَمئة، وترفَّع السِّنُّ، وتَقَعقع الشَّنُّ، وخان البصر، ومان (١) القوى والقُدر، نزل عن المنصب لأبَرِّ أولاده منصور، وفوَّض إليه أمر الإمارة بِمحضر الجمهور، وحالَفَ النَّاس على معاملته بالطاعة والنصرة والوفا، وأمر أنْ يُخطب له بحضرته على منبر هذا النبي المصطفى، فلمَّا باشر المنصب وظهرت شِعار شوكته، وقع الحسد والتباغض بينه وبين إخوته، فطلع منصور إلى حصن والده هذا الموجود الذي بناه أذى لحناجر العدا، و قذى في مَحاجر من أرادهم برديٍّ أو ردى، وانفرد أولاد جَمَّاز للتعَرُّض للبَلى، وأمَّروا عليهم أخاهم مُقبلاً، وصاروا يحاصرون المدينة، ويَدِبون إليها، ويضايقون البلدة الشريفة، ولا يقدرون عليها، ثمَّ إنَّ مقبلاً استعمل سُلَّماً طويلاً مُفصَّلا، قابلاً للفكِّ والنَّقض، وعند الحاجة يُركَّب بعضه في بعض، استصحبه من الشَّام، لما سافر إليها في ذلك العام، فتقدَّم به في نفر مئين من أصحابه، وسلَّطوه على الحصن بانتصابه، ودخلوا الحصن، واختفوا إلى الصباح، ولم يكن بالمدينة غير كبش بن منصور فاستغاث أهلَ المدينة بأعلى صياح، فأغاثوه وقاتلوا دونه، وقتلوا مقبلاً وقاسماً وجوشناً قَتْل مَنْ لا يدونه (٢)، فعظمت المصيبة على الإخوة والأولاد، وانتظمت أسباب الفتن بالجدال والجِلاد، فقدَّموا عليهم وُدَيَّ بن جَماز لأخذ القَوَد كأشدِّ مَنْ أَقاد، واستحكم بينهم أسباب الفتنة والفساد،

وتوالت بينهم الحرب، وتعالت فيهم الطعن والضَّرب، ومرَّ على المنصور حالي العيش (٣)، وعظم عليه إكثار النفقات على الجيش، وحصل له لذلك ضِيق وشدة، وبلغ


(١) مان: كذب. أي خانته القوى. القاموس (مين) ص ١٢٣٦.
(٢) لا يدفعون ديته. تقول: وَدَيتُ القتيل، أَدِيهِ دِيةً: إذا أعطيت ديته. الصحاح (ودى) ٦/ ٢٥٢١.
(٣) أي: اليسر والعسر.