للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذا وكان في أكثر الأوقات رهين الضَّعف والمرض، ولم يسلم غالباً بدنُه من تغيُّر وعَرَض، وذكر لي الثِّقاتُ أنَّه لما وصل إليه التَّقليد والخلعة السُّلطاني توجَّه إلى المدينة في جماعته وهم في صورة ركب حفيل إلى أنْ قربوا من باب المدينة، ونزلوا تحت القلعة ولم يتحقق الناس منون، وتفرقت الأوهام والظُّنون، فتوهَّم /٤٦٩ بعضٌ أنَّه قافلةٌ من الشَّام، وقيل: ركبٌ من ينبعَ لحمل الزَّاد والطَّعام، ثمَّ كُشف الحال وانجلى المستور، فإذا هم جماعةُ جمَّاز بن منصور، متولِّياً للمدينة بمرسوم السُّلطان، ومعه القاضي تقي الدِّين الهُورِيِني (١)، وقد أُعيد إلى القضاء كما كان، ومعهم مرسومٌ بعزل عزِّ الدِّين دينار (٢)، وتقليدٌ بولاية ياقوت (٣) المدعو بالافتخار، وتعجّب النَّاس من حلولهم فجأةً قبل بلوغ خبر، ودخلوا المدينة في صبيحة الحادي عشر، وخرج آل جَمَّاز من المدينة تالين آية الفِرَار، سائحين على وجوههم هِزِّيمَى (٤) مَنْ دمه جُبَار (٥)، وتقوَّضوا فُلاَّلا (٦) متعلِّقين بالدُّروب مُتسلِّقين في الأسوار، فأراد الأمير جمَّاز اتِّباعَهم بعسكره، فكبحته

أَرْيَحيَتُه عن ذلك، ومنعته حميتَّه في ذوي القربى عن سلوك تلك المسالك، فنادى في المدينة أنْ لا يتبعهم أحدٌ في فِرارهم، ويُتركون سالمين ذاهبين إلى باديتهم ومحلِّ قَرارهم، ولا يتتبع رِجل إنسان لاقتفاء آثارهم، فخرجوا معفواً عنهم، مهوَّناً عليهم، ودرجوا إلى البراري عازمين على البداوة قانعين بما لديهم، واستقرَّ جمَّاز في القلعة حاكماً.


(١) اسمه عبد الرحمن بن عبد المؤمن، توفي سنة ٧٦٠ هـ. الدرر الكامنة ٢/ ٣٣٤.
(٢) ستأتي ترجمته في حرف الدال.
(٣) ستأتي ترجمته في حرف الياء.
(٤) الهِزِّيْمى: الهزيمة. لسان العرب (هزم) ١٢/ ٦١٠.
(٥) جُبَار: هَدَرٌ. القاموس (جبر) ص ٣٦١.
(٦) فُلالاً: منهزمين. القاموس (فلل) ص ١٠٤٤.