للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبعد قليل تغيرَّت الأُمور، وصار الظُّلم متراكماً، وحاول إعادة الإمامية بعد إبادتِهم، وقصد إجراءهم في الأحكام والقضايا على عادتِهم، وأَذِن لفقيه الإمامية أنْ يحكم بين الغرماء، ورفعوا لهم بذلك عَلماً، فلمَّا ظهرت كلمتهم وبَهرت شوكتهم، وحصل من الأمير للمجاورين غِلظةٌ وجفا، وألبس متونَهم من الأذى هَزْلاً وعَجْفاً، وسارت الرُّكبان بالأخبار، وشاعت السِّيرةُ العوجاء في الأقطار والأمصار، وبلغ مسامعَ السُّلطان شيءٌ من ذلك، وأنَّ بعض فقهاء الحنفية ضُرب في القلعة ضرباً كاد أنْ يُلحِقَه بالهوالك، فغضب لسماعه هذه الأمور، وقوَّى غضبَه كلامُ جماعةٍ من الكُبراء والصُّدور، فكتب إلى نائب الشَّام يأمره بأَنْ يُوجِّه فدائيين إليه يتبتلان لِحَتْلِه (١)، ويتوسَّلان إلى قتله، فلمَّا كان اليوم الحادي والعشرون من شهر ذي القَعدة من سنة سبعٍ وخمسين قدم الرَّكب الشَّامي، وخرج الأمير جمَّاز للقاء المَحْمِل السُّلطاني، على عادته، فلمَّا وصل إلى المحمل ترجَّل عن فرسه، وغفل عن افتراسه، وأظهر للسُّلطان الطَّاعة وغاب عن حذره واحتراسه، فَفُرش له بساط، وخُلع عليه فوقه، وأُعطي العِمامة ليلقيها على رأسه، فلما أخذ العِمامة بكفه، وشرع في كوره ولفِّه، وثب إليه شخصان أشقران خبيثان كأنَّهما عُقابان، على الصَّيد حثيثان، فضرباه بخنجرين، واختفيا في الحين، كأنَّهما صارا حجرين، فأنفذ الضَّربُ /٤٧٠ مقاتله،

وردَّ اللهُ بالخسران قاتلَه، وظنَّ آلُ منصور أنَّ الأمر أشدُّ من ذلك، وأنَّ كُلاًّ منهم لا شكَّ هالك، ولهذا السَّبيلِ سالك، فلمَّا تراجعوا وعلموا أنَّ الأمر قاصرٌ على جماز، فدرؤوا سفك دماء المسلمين وإثارة فتنة تنادي خاز بِاز (٢)،


(١) يتبتلان: يقطعان، والحَتْل: الرَّديء من كل شيء. القاموس (بتل) ص ٩٦٤، (حتل) ص ٩٨٢.
(٢) الخاز باز: الذباب، وقيل: حكاية أصوات الذباب، والمراد: الضجيج والجلبة. اللسان (خوز) ٥/ ٣٤٧.