للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جوبان رحمه الله يطوف على العساكر ويشاهد المحاصرين، فلمَّا رأى ذلك أحضر المنجنيقيَّ وقال: تريد أَنْ أقطَع يدك السَّاعة؟ وسَّبه وذمَّه بانزعاج وحنق، وقال: وَالَك (١) في شهر رمضان تحاصر المسلمين وترميهم بحجارة المناجيق؟ ولو أراد القَانُ أنْ يقولَ لهؤلاء المغل الذين معه، ارموا على هذه القلعة تراباً كلُّ فارسٍ مِخْلَاة كانوا طمَّوها، وإنَّما يريد هو أنْ يأخذها بالأمان من غير سفك دم، والله متى عُدتَ رميتَ حجراً آخر سمَّرُتك على سهم المنجنيق.

وكان رحمه الله ينْزع النَّصل من النُّشَّاب ويكتب عليه: إياكم أنْ تُذعنِوا وتُسلموا وطوِّلوا روحكم، فهؤلاء مالهم ما يأكلونه، وكان يحذِّرهم هكذا دائماً بسهام يرميها إلى القلعة.

ثمَّ اجتمع بالوزير وقال له: هذا القان ما يبالي، ولا يقع عليه عيب، وفي غدٍ وبعدُ، إذا تحدَّث النَّاس إيش يقولون؟ نزل خربندا على الرَّحبة وقاتل أهلها، وسفك دماءهم وهدمها في شهر رمضان، فيقول النَّاس: فما كان له نائبٌ مسلم ولا وزيرٌ مسلم، وقرَّر معه أن يحدِّثا القان خربندا في ذلك، ويُحسِّنا له الرَّحيل عن الرَّحبة، فدخلا إليه وقالا له: المصلحةُ أنْ تطلب كبار هؤلاء وقاضيهم، ويطلبوا منك الأمان، وتخلع عليهم ونرحل بحرمتنا، فإنَّ الطابق (٢) وقع في خيلنا، وما للمغل ما تأكلُ خيلُهم، وإنَّما هم يأخذون قُشور الشَّجر ينْحتونَها ويُطعمونَها خيلهم، وهؤلاء مسلمون، وهذا شهر رمضان وأنت مسلمٌ وتسمع قراءتَهم للقرآن، وضجيجَ الأطفال والنِّساء في الليل، فوافقهم على ذلك، وطلبوا القاضي وأربعةَ أنفسٍ من كبار البحرية، وحضروا قُدَّام خربندا، وخلعوا عليهم وأعادوهم وباتوا، فما أصبح للمغل أثر، ونزلوا المناجيق


(١) أي: ويلك.
(٢) الطّابَق والطّابِق: الآجر الكبير، وهو فارسي معرب. اللسان (طبق) ١٠/ ٢٠٩.