للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في أثناء رمضان، ودخل على السُّلطان، قَبِل هديته، وأجزل عطيته، وأَمهله إلى انسلاخ الشَّهر السَّعيد.

فلمَّا كان ليلةُ العيد، برزَ له المرسوم بالحبسِ والتَّقييد، ورجع طفيل إلى كُبيش بالبادية عند العربان، وجهز من عنده هديةً حفيلة ورجع بِها إلى السُّلطان، ووصل بِها في الثَّاني عشر من شهر شعبان.

فلمَّا كان بعد أيام وصل الخبر إلى مصر بأنَّ أولادَ مُقبلِ بن جمَّاز، قتلوا كُبيشاً بالحجاز، فخلع السُّلطان على طفيل بن منصور، وولاَّه المدينة بتقليدٍ ومنشور، فدخل المدينة في الحادي عشر من شوَّال من العام المذكور، وطار مَنْ كان بها من آل وُدَيٍّ طيرانَ صقورٍ من الوكور.

واستمرَّ طفيلٌ في المدينة حاكماً، والعدوُّ من خارجٍ عليه مُتراكماً، يشنُّون على المدينة الغارات، ويطلبون بِها الثَّارات، ويرعون الزُّروع، وينهبون الضُّروع، ويحرقون النَّخيل والأشجار، ويَجِدِّون ما أينع من الثِّمار.

فلمَّا اشتدَّ الحال، وامتدَّ الأعوال (١)، وتواتر الصِّوال، خرج إليهم القاضي شرفُ الدِّين وشيخُ الخُدَّام وأعيانُهم وصالحوهم على خمسة عشر ألف دِرهم، وعلى ثمرة أملاكهم وأملاك مَنْ يلوذُ بِهم.

فلمَّا تمَّ الصُّلح بينهم، وقضى كلُّ فئةٍ من النِزاع بينهم، استنجد طُفيل بصالح ابن حُديثةَ من آل فضلٍ، وبعمر بن وُهيبة من آل مرا، وبعساف بن متروك الزَّراق (٢)، فجاؤوه في جموعٍ كالجبال، وعسكرٍ عن القتال غيرِ مُبال.

فساروا بِجمعهم الكثير، وجَمِّهم الغفير، على عسكرِ ابن وُدَيٍّ وعَدِّه النَّزر اليسير، يقال: إنَّهم كانوا ثَمانيةَ عشر فارساً، أو نحو خمسةٍ وعشرين،


(١) الأعوال جمع عول، وهو كلُّ ما عالكَ، وقوتُ العيال. القاموس (عول) ص ١٠٣٧.
(٢) التحفة اللطيفة ٣/ ١٨٧، نصيحة المشاور ص ٢٥٣.