للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سِرار (١) أُسرته، فَسَفَرَ السَّفَرُ عن سِرارةِ أساريرِ (٢) غُرَّتِهِ، رجع عن بغداد وتبريز، وقد سبكته المسافرةُ سبك الذَّهب الإبريز، وبرز في العلوم على الأقران أيَّ تبريز، فأقام في مولد أشرف البلاد منتحياً عن التَّعلُّق بالأهل والأولاد. سالكاً مسالك المُجرَّدين، صارفاً أوقاته في مهمِّات أمر الدِّين، وخِدمة الوافدين الواردين، وهو لهم كالأب الرَّؤوف، والمُشفق العطوف، يتلقَّاهم من الإحسان بأتمِّ الصُّنوف، فما منهم من أحدٍ إلا وهو ببرِّه محفوف، ومعروفُه إليه معروف، ونَهارُه بإسماع الحديث /٤٩١ ونشر العلوم موصوف.

خُصَّ في علم الحديث من الله بمزيد عطايا، فصار يُضرب به وإليه أمثال البرايا، وأكباد المطايا.

وقد ابتُلي بِمحنةٍ ثبَّته الله فيها وصبَّره، ولم يغضَّ بِها عن قَدْرِه بل كبَّره، وذلك أنه في عام اثنين وأربعين مات مختارٌ البغداديُّ وكان خِصِّيصاً لخدمة الشَّيخ وملازمته، فاتَّهمه والي المدينة ثابتُ بن جَمَّاز (٣)، فطلب العفيفَ، وقابله بالخطاب العنيف، وطالبه بِمالِ مُختار، وما ترك من الدِّرهم والدِّينار، فحلف له أنَّه ليس عندي شيءٌ من ذلك، فلم يصدِّقه ورماه في جُبٍّ مُعَدٍّ لمن يقصدُ إلقاءَه في المهالك، ثمَّ أمر بنهب داره، وتخريب دياره، فَأَخذ جميعَ ما في بيته من شِعاره ودِثاره، حتى مجاليد كتب العلم وأسفاره، إلى حُصر المنْزل وبواريه والمسامير مِن جداره، وعَذَّبَ خادمه لِيُقِرَّ على درهمه وديناره، فلم يكن سوى إقراره ببعض نفقةٍ وحُليٍّ لبعض جواره، فأخذ الجميع، ولم يفكر في


(١) سرار: رُبوع ووسط. القاموس (سرر) ص ٤٠٦.
(٢) الأسارير: محاسن الوجه. القاموس (سرر) ص ٤٠٦.
(٣) ثابت بن جماز: ناب عن أخيه ودي في إمرة المدينة، قتل في رمضان سنة ٧٤٣ هـ. التحفة ١/ ٣٩١.