للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذا الأمر الفظيع، وساوى في طلب حِزَامِ بين الرَّفيع والوضيع.

وبقي الشُّيخُ في الجُبِّ يومين وليلتين، وكان من أقوى الأسباب لسرعة زوال الجولتين، هلك النَّائب والمنوب، ولعبت في منازلهم الصَّبا والجنوب (١)، واختطفت لحومهم العِقْبان (٢) والنُّسور، ونسج الحائك عصراً من العَبور (٣)، لهزَ (٤) به من عظمهم المكسور، وناء بالبذور، فسبحان القهَّار الغيور.

ثمَّ أخرج الشِّيخ من الجُبِّ الأسود، على أنْ يدفعَ إليهم سبعةَ أحمالٍ من الرُّزِّ الأبيض، فاقترض ثَمَنَهُ وأعطاهم، وغرِم للمستودعين ودائعهم وأرضاهم، وفاز بصبره واحتسابه، ولم يقبل في ذلك شيئاً من أحدٍ من أصحابه.

وحكى وزير الأمير المذكور أنَّ الحاصل الذي جمعه من بيت الشِّيخ العفيف مع حاصلين آخرين له ولزوجةِ ولده خرج بِها الأمير تحت الليل من باب سرِّ القلعة فدفنه خارج المدينة في مواضع مُجهَّلة، ولم يَطَّلعْ على ذلك مخلوقٌ سوى عبد كان معه، فلمَّا رجع إليه افتقده، وذهب في تِيهِ العدم جميع ما انتقده (٥)، فعاقبَ العبدَ على الاستقرار، فلم يكن منه سوى الإصرارِ على الإنكار، فأوكله للَّتعذيب هُرْزَوْقَاً (٦)، فأصبح مُعاقباً مخنوقاً، والمالُ ذاهباً مسروقاً، والظَّالم بعذاب الله مُعاقباً محقوقاً. ثمَّ إنَّ الشَّيخ جمع مفاخر الكتب


(١) الصبا والجنوب من أنواع الرياح. القاموس (صبا) ص ١٣٠٢، و (جنب) ص ٦٩ - ٧٠. وهذا كناية عن هلاكهم وخواء ديارهم.
(٢) العِقْبان جمع عُقاب، وهو من أنواع الطيور. القاموس (عقب) ص ١١٧.
(٣) العبور من الغنم التي لم تُجز عامها. اللسان (عبر) ٤/ ٥٣١.
(٤) لهز: خالط. القاموس (لهز) ص ٥٢٥.
(٥) أي: أخذه نقداً غير مؤجَّل. قال في القاموس: النقد خلاف النسيئة (نقد) ص ٣٢٢.
(٦) الهُرْزوقى اسمٌ للحبس، والمُهَرْزَق: المحبوس. القاموس (هزرق) ص ٩٣٠.