للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أرباب اليقين، ثمَّ انضوى (١) إلى المدينة بِنيَّة الجِوار، وأَلقى بِفِنائه عصا التَّسيار،/٤٩٥ وصادف وروده زمانَ شِظَاف (٢)، وكَلَباً (٣) حكى منه المُزارع أطرافَ قِصاف (٤)، فأقام بالمدرسة الشِّهابية مُدَّة، ولم يكنْ له غيرُ التَّوكُّل عُمدةً وعُدَّة، ثمَّ انتقل إلى رباط دُكَالة، والنَّفسُ غيرُ حريصة ولا أكَّالة، فمكث بِها سنين لا يعلم أحدٌ حاله، وفي خدمته جماعةٌ من المجاهدين، يصارعون الطَّوى (٥)، ويقارعون البَلا، كأزهد الزاهدين.

يطوون مراحل الأيَّام بقليلٍ من الطعام، كان لهم فقراءُ معارفُ عَرَفوا بالآخرة حالهم، وكانوا إذا فرغَوا في مَخْن (٦) الحديقة أشغالهم [الغير محمية] (٧)، حملوا لهم من سُقاطات (٨) اللِّفْتِ والسِّلْقِ المرميَّة، ورُفَاتات (٩) الجَزَر والبقول اللحمية (١٠)، وأتوا بِها إليهم كأنَّما أنعموا بجزيلٍ من النِّعم عليهم، فيأخذه خادمهم ويَسِلقه بالماء، فإذا رجعوا من صلاة العشاء تناولوا منه لُقَمَاً، وما فَضَل من ذلك أخذه الخادم، ورمى به خارجَ البلدة لتأكلَه البهائم، استمرُّوا على ذلك أعواماً، لا يعرفون غير ذلك طعاماً ولا إِداماً، فَفِطن لهم بعض النَّاس فكان يأتيهم بشيءٍ من عِشر التَّمر والشَّعير،


(١) أي لجأَ وانضمَّ. القاموس (ضَوى) ص ١٣٠٦.
(٢) الشِّظاف: جمعُ شَظَف، وهو يُبْس العيش وشدَّته. القاموس (شَظَفَ) ص ٨٢٤.
(٣) الكَلَبُ: العطش. اللسان (كَلَبَ) ١/ ٧٢٣.
(٤) يقال: قَصِف العُود: صار خوَّاراً. القاموس (قَصَفَ) ص ٨٤٥.
(٥) الطَّوى: الجوع. القاموس (طَوَىَ) ص ١٣٠٨.
(٦) المخن: النَّزع من البئر والقَشْر. القاموس (مخن) ص ١٢٣٣.
(٧) مابين معقوفين من التحفة اللطيفة.
(٨) السُّقاطات: جمعُ سُقاطة، وهي ما سقط من الشَّيء. القاموس (سَقَطَ) ص ٦٧١.
(٩) جمع رُفاتٍ، وهو الحُطام. القاموس (رَفَتَ) ص ١٥٢.
(١٠) في الأصل تداخلٌ واضطراب في هذين السطرين، والتصويب من التحفة اللطيفة ٢/ ٣٧٣.