للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويجتزئون (١) من ذلك بأيسرَ من اليسير، إلى أن انتشر صِيتُهم، واشتهرت أخبارهم، وكَثُرَ أتباعُهم وزُوَّارُهم، والتفَّ عليهم الأعيان والخُدَّام، وقُصِدوا من اليمن والشَّام.

وكان الشَّيخُ رحمه الله يأبى العيشَ الرَّغد، ولا يدَّخر أبداً شيئاً لغد، ولا يردُّ المسكين والفقير، ولا يتعدَّى في الملبس خَلَقَ نقير (٢)، ويتصدَّق بجميع ما حضر من القليل والكثير، فيقول للسَّائل: ارفع الحصير، وخُذْ ما تَحت الحصيرة.

وإذا أطعم الفقراء وفَّى حقَّ الإنعام، حتى لم يدَعْ في بيته البتةَ شيئاً من الشَّراب والطَّعام.

واشتهر عنه سيرةُ السَّلف الغابرين، وكذلك عن أصحابه الأخيار من الصَّادقين الصَّابرين، وكان الشَّيخُ ـ رحمه الله ـ إذا دخل المسجد خضع لهيبته كلُّ إنسان، وإذا رأى مُنكراً بادر إلى إنكاره باليد وإلا فباللِّسان، وكان من باهر كراماته: أنَّه إذا تظلَّمَ إليه مظلومٌ شفِعَ له، فإن شُفِّعَ فيه، وإلا لَحِقَ الظَّالم في الحين عقوبةُ ما فعله.

وفي الجملة فله المناقبُ السَّنية، والمراتبُ العَليَّة، وله القصيدةُ المباركة المشهورة التي منها:

دارُ الحبيبِ أحقُّ أَنْ تَهواها … وتَحِنَّ من طَرَبٍ إلى ذِكْرَاها

وآخرها:


(١) يجتزئون: يكتفون. القاموس (جزأ) ص ٣٦، ووقع في الأصل: (ويتجزون)، والتصويب من التحفة اللطيفة ٢/ ٣٧٣.
(٢) الخَلَق: الثوب البالي، والنَّقير: النُّكتة في ظهر النواة، وهو يُضرب به المَثل في القِلَّة، أي: لا يجاوز الثياب البالية ولا شيئاً قليلاً. القاموس (خَلِقَ) ص ٨٨١، (نقر) ص ٤٨٦.