للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرابع: أنَّه لَمَّا كانت أُمَّتُه ثابتةً على شرعِه ودينِه، ولا تَزَالُ طائفةٌ مِنْهَا قائمةً بأمر الله، ظاهرةً بالحقِّ حتى يأتيَ أمرُ الله وهُمْ على ذلكَ (١)، فإذا كَمُلَتْ عباداتُهُمْ وأَتَوْا بِقَواعِدِ الدين: من إقامةِ الصلواتِ، ولُزومِ الجُمَع والجَمَاعاتِ، وصيامِ رَمَضانَ وقيامهِ على أكملِ الصفاتِ، وأكملوا ذلك بِحَجِّ بيتِ الله العتيقِ، وجَابُوا إليه الفَلَوَاتِ من كل فَجٍّ عَميقٍ، وأَتَوْا بالمناسِكِ على الإكمَالِ والإِتْمَامِ، وأقاموا شِعارَ تَعْظِيمِ مشاعِرِ الله الحرَامِ، وزاروا بيتَ الله مَوْلاهُمْ، وشكروه على مَا مَنَحَهُمْ وأَوْلاهُمْ، وأقاموا بِها وظَائِفَ النَّفْلِ والفَرْضِ، وجدَّدُوا عُهُودَهم بالحَجَرِ الأَسْوَدِ الذي هو يَمِينُ اللهِ في الأرض (٢)، وحَطُّوا أَوْزَارَهم، وبَلَغُوا أَوْطَارَهم، ونالوا من الله الكريم الرضا والغُفْرانَ، وابْيَضَّتْ وجوهُهم بِمَا فازوا به من الفضلِ والإحْسَانِ؛ ناسب (٣) أن يتوجَّهُوا عَقِيبَ ذلك إلى زيارةِ مَنْ أَنقذَهم اللهُ به من الضلالِ، وهداهم وأَوْرَفَ (٤) لهم من طُوبى رِضْوانِه أطيبَ الظِّلالِ، وهُدُوا به إلى الصِّرَاطِ المسْتَقِيمِ، ورُزِقوا بِيُمْنِ غُرَّتِهِ وبَرَكةِ طَلْعَتِهِ الفوزَ

العظيمَ، والنَّعيمَ المقيمَ، وكما أَتَوْا بِحقِّ لا إله إلا الله، كذلك يَأْتونَ بِحقِّ محمدٍ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، اللَّذَيْنِ هُما أَسَاسُ قَواعِدِ الدِّين، وبِهما يصيرُ العبدُ /٢٨ من المؤمنين، ولكن بشر صلّى الله عليه وسلّم بِهم إذا أَتْوه وقد غَفَر الله لهم، وقَبِلَ عملَهم، تُعْرَضُ


(١) يشير إلى الحديث المشهور: «لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة». أخرجه مسلم، في الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، برقم:٢٤٧؛ وغيره.
(٢) أخرج عبد الرزاق في مصنفه، موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما: «الركن يمين الله في الأرض». حديث رقم: ٨٩١٩، وانظر: إثارة الترغيب ١/ ١٦٩.
(٣) هذا مما لايقال بالرأي ولايستدل بمثل هذه الاستدلالات مع معارضتها لما ثبت عن البشير النذير صلى الله عليه وسلم.
(٤) ورَف الظلُّ يرِف، وأَوْرَفَ يُورِف: اتسع وطال وامتدَّ. القاموس (ورف) ص ٨٥٩.