وحفروا حتى أماهوا (١)، وشرب النَّاس، ثمَّ دكُّوا الأساس، وحضر عقيب ذلك الصُّنَّاع والمُعلِّمون، وأهلُ الهندسة والمُقدَّمون، فقال مُقَدَّمهم ورئيسهم: لابدَّ من نقض الأساس بِرُمَّتِه، وإعادة أساسٍ مُتْقَنٍ يقع البناءُ على قِمَّته، والواجبُ أنْ يُعطى كلُّ أحدٍ حقَّ صَنْعَته، ومتى بنينا على هذا الأساس المجهولِ الإتقان، لا نأمنُ غائلة التَّخَلْخُل في هذا البُنيان.
فلمَّا طال بينه وبين كافور التَّعارض، وآل الأمرُ فيه إلى الخِلاف والتَّناقض، أعرض المهندس عن الشُّغل وترك، وقال: إنِّي أخشى ما يلزمني في ذلك من الدَّرَك، مع ما يلحق واجبَ الصَّنْعَة من المَعَاب، فطلب المآب وركب اللَّيل وغاب.
فقال كافورٌ لبقية المُعلِّمين: اعملوا وأنا لكم بحصول القصدِ ضمين، وشَمِّروا في الخدمة وأنا لكم ناصحٌ أمين، وأرجو أنْ يَمنَّ اللهُ عليكم بالإتمامِ، وحُسنِ النِّظام ببركة سيد الأنام، وأشرفِ الرُّسل الكرام، عليه أفضلُ الصَّلاة والسَّلام.
فعَمِلوا وكمَّلوا، وأَتقنوا وجَمَّلوا، وجاءَ وثيقَ المبنى، رشيقَ الصُّورة والمعنى، يُفاخر القرائنَ من المآذن حُسناً، وعليها اليوم اعتمادُ المُؤذِّنين في سائر الأوقات، لأنَّها متوسطةٌ يبلغ الأذانُ منها جميعَ الجهات، فجزاه اللهُ عن هذه الحسنة غفراناً، كما يؤتيه عند كلِّ أذانٍ منها رَوحاً وريحاناً.
ومن آثاره الطَّاهرة، وأنواره الظَّاهرة تعطيلُ الطَّواف بالسَّعَف والجريد اليبيس، وتبديلها بالشُّموع المغروزة في الفوانيس.
وذلك أنَّ في أيام مَنْ تَقَدَّمه من الشُّيوخ كانت العادة أَنْ يأخذَ جماعةٌ من