للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأموالٌ فتركها، وصحب كبيراً من مشايخ عصره، وسأله أن يدلَّه على طريق السُّلوك، فقال له: نعم، اكشف لي عن مسألة كذا وكذا وأخبرني بما قيل فيها، فذهب وكشف ثمَّ رجع وأخبره بِما رأى، فقال له: يا ولدي، أَقبلْ على الاشتغال بالعلم، فراجعه في السُّؤال عن طريق السُّلوك، فلمَّا ألحَّ عليه في بعض المِرَار قال له: اكشف لي عن مسألة كذا وكذا، وأعلمني، فذهب وفتح مَظِنَّة المسألة فوجد جميع أوراق الكتاب أبيضَ ليس فيه حرفٌ، ثمَّ فتح كتاباً آخر فوجده كذلك، حتى نظر في كتبه كلِّها فوجدها صحائف بيضاء.

فرجع إلى الشَّيخ وهو مرعوبٌ ممَّا رأى، فأخبره خبره، فقال الشيخ: الآن صفا قلبُك وصحَّ توجُّهك، وصدق طلبُك، ادخل الخلوة.

فدخل الخلوة فأقام أربعين يوماً (١)، ثمَّ خرج وهو جوهرةٌ لمَّاعة أضاءت أنوارُ الهداية أَبصارَهُ وأسماعه، فكان منه ما كان، وتيسَّر له من المراتب العليَّة ما يقف دون شرحها الإمكان.

وعاش الشيخ يحيى حتى تَتَعْتَعَتْ (٢) سِنُّه وتَقَعْقَعَتْ شَنُّه (٣).

وكان في أوائله كلما سمع بحكايةٍ عن الصَّالحين وكرامة ممَّا دُوِّنت في الكتب يقول: هذه بعينها أو قريباً منها اتَّفق لي.

وكان من كثرة سياحاته لم يسمع بغريبةٍ إلا ويُخبر أنَّه رآها، وتوفي سنة ثلاثٍ وأربعين وسبعمائة.


(١) هذه الخلوة من الأمور المحدثة التي لم يدل الدليل على مشروعيتها فتكون من البدع المنهي عنها.
(٢) تتعتع: تردَّدَ في كلامه من حصرٍ أو عيِّ. القاموس (تعع) ص ٧٠٧.
(٣) أصلُ الشَّنِّ: القِرْبةُ الخَلَقُ الصغيرة، وتقعقع: اضطرب ويبس، ففي هذا كناية عن شدَّة ضعفه، وفي المُثَل: ما يُقَعقَعُ له بالشِّنان: يُضرب لمن لا يتَّضعُ لحوادث الدَّهر، ولا يروعه مالا حقيقة له. القاموس (شنن) ص ١٢١٠، (قعع) ص ٧٥٤.