للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مدفنه (١).

والثاني: باعتبار ما يَتَنَزَّلُ عليه من الرحمة والرضوان والملائكة المقربين، فحينئذٍ يظهر شرفه على الكعبة وعلى جميع الأماكن شرفاً ظاهراً، ويعلو قَدْرُهُ بهما على جميع بقاع العالم علواً باهراً (٢).

لا يقال: فلِمَ لا يُحْكَمُ بِمُضَاعَفَةِ الأعمال فيه؟ لأنا نقول: ذلك مُختص بأماكن أعمالنا، ومدفنه صلى الله عليه وسلم ليس مَحل عمل لنا، لأنه ليس مسجداً، ولا له حكم المساجد، بل هو مُسْتَحَقُّ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكون الأعمال مُضَاعَفَةٌ فيه باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم حي، وأعماله فيه مضاعفة.

وإذا ظهر أنه أفضل وأشرف من الكعبة ومن جميع الأماكن والبقاع، فيجب حينئذٍ من مراعاة الأدب، وملازمة الحضور ما لا يَجِبُ في غيره من الأماكن، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَمْنَعُ من رفع الصوت فيه (٣)، ولم يكن يفعل ذلك في مسجد مكة، وما ذلك إلا للأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجوب معاملته الآن كما كان يَجب أن يُعَامَلَ به لمَّا كان بين أظهرنا.


(١) والقصد أن الرسول صلى الله عليه وسلم دُفِنَ في نفس التربة التي خُلق منها، وإذا ثبت ذلك؛ فتكون تربة المدينة لها فضيلة بارزة على سائر الأرض، وخاصة تلك البقعة الشريفة التي ضمت الأعضاء الشريفة. واستدلوا بحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم بِجنازة عند قَبْرٍ، فقال: قَبْرُ من هذا؟ فقالوا: فلانٌ الحبشي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله، سِيقَ من أرضه وسمائه إلى التربة التي منها خُلِقَ». أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الجنائز، ١/ ٥٢١، رقم ١٣٥٦/ ٩٢. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ولهذا الحديث شواهد.
… لكن وإن صح الحديث فليس فيه مايفيد العموم، بل هو خاص بالمذكور وهو الحبشي. والله أعلم.
(٢) انظر تعقيب شيخ الإسلام ابن تيمية على القاضي عياض، وقد تقدم قبل قليل.
(٣) أخرجه البخاري، في الصلاة، باب رفع الصوت في المسجد، رقم ٤٧٠،١/ ٦٦٨.