عليه في الجنانِ، هذا مِمَّا لا يليقُ بكلامِ الوعَّاظِ والقُصَّاصِ.
وقوله:(لأن الشخص الذي اتَّخذها لم يقصد استعمالها، ولا أن يتزين بِهَا، ولا أحد من جهته). فيه أن اتِّخَاذ ذلك حرام، ولا اعتبار لقصد الاستعمال وعدمه.
ثُم إنا نَمْنع أنه لم يقصد التزين بِهَا، بل قَصَدَ ذلك وتَزَيَّنَ كما قاله الشيخُ بعد: إنه أراد به لسان صدق في الآخرين، وأي تزين أعظم من ذلك.
وقوله:(ولا أحد من جهته) وكالنائب له في ذلك، والمؤتَمِرِ لأمره، والقائم مقامه.
وقوله:(كيف تحرم ولا تسمى أواني، ولا هي في معنى الأواني)؟
هذا عدمُ اطلاعٍ على معنى كلامِ العربِ، وقلةُ فهم لموضوعِ لغتهم، وهذه كتبُ اللغةِ لمنْ لا يذوقُ بنفسهِ لغةَ العربِ تشهدُ بأنَّ الآنيةَ والوعاءَ والظرفَ أخواتٌ من وادٍ واحدٍ، تَسْتَعْمِلُ العربُ كلاً منها مقامَ الآخر، ولا تفرق البَتَّة.
ولا يَختلف اثنان في أن القنديل ظرف ووعاء، وإذا ثبت ذلك فهو إناء أيضاً. وقد صح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو فارس ميدان البلاغة أنه اغترف الماء بكفيه، ثم قال لمولاه أبي نِيْزَر (١): (هذه أنظف آنية المرء)، فجعل الكف من الأواني.
وفي حديث آخر مرفوع: «إن لله تعالى أواني أشرفُها وأفضلُها قلوب
(١) أبو نِيْزَر: كان من أبناء بعض الملوك الأعاجم، رغب في الإسلام صغيراً، فأسلم عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معه في مؤنته، ثم كان مع فاطمة، ثم مع ولدها. ويقال إنه ولد النجاشي جاء وأسلم. الإصابة ٧/ ٣٤٣، الكامل للمبرد ٣/ ٢٠٧. وفيه قول علي لأبي نيزر: إن الأكُفَّ أنظفُ الآنية. والقصة بكاملها ذكرت في الباب الخامس (عين أبي نَيْزَر) بفتح النون.