للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النقدين، وجميعُ هذه العِلَلِ بالنسبةِ إلى ما يستعملهُ الشخصُ كالأكلِ والشربِ.

أما تَحلية المساجد تعظيماً لها فليس فيه شيء من هذه العلل، وهكذا القناديل من الذهبِ والفضةِ لأن الشخص إذا اتَّخذها للمسجد لم يقصد استعمالها ولا أن يتزين بِهَا هو ولا أحد من جهته، والذي حَرَّمَ اتِّخاذها على أصح الوجهين إنَّما حَرَّمَ ذلك لأن النفسَ تدعو إلى الاستعمال المحرم، وذلك إذا كانت له، وأما جعلها للمسجدِ فلا تدعو النفسُ إلى استعمال حرام أصلاً، فكيف تَحْرُمُ وهي لا تُسَمَّى أواني؟

ورأيت الحنابلة (١) قالوا بتحريمها للمسجدِ، وجعلوها من الأواني أو مَقِيسَةً عليها، وليس بصحيحٍ، لا هي أواني ولا في معنى الأواني. انتهى.

وهذا فصل يقضي منه العجب كل العجب، قوله: (تَحلية المساجد ليس فيه شيء من هذه العلل) قول/٥٣٩ ظاهر الخلل، إذ السرف فيه أظهر من نارٍ على علمٍ، وتضييق قلوب الفقراء أوضح وأظهر، لأن المسجد محلهم ومقامهم، وينظرون إلى شيء يضيع لا ينتفع به أحد من المسلمين، وهم مُحتاجون إلى صرف حبة منها، بِخلاف ما في أَجْوُفِ (٢) البيوت والمخادع فإنه قد لا تَحصل منه هذه المفسدة العظمى، والبَلِيَّة الكبرى.

وأما تضييقُ النقدين المؤدي إلى غلاء السعرِ، وتقليلِ أسبابِ المعاملاتِ، فهذا أحدُ أسبابهِ لا يضاهيها نوع آخر من أنواع استعمال النقدين، وذلك لأنه يَبْطُلُ حكمه بالكليةِ، ولا يَجوز لأحد صرفه، ولا كسره، ولا بيعه، بل يبقى كذلك إلى أن يأتي بِزَعْمِ الشيخِ إلى صاحبهِ يومَ القيامةِ بعينهِ، ويعلَّقُ


(١) ورد في المغني عن ابن قدامة: (… ولا يَجوز تَحلية المصاحف ولا المحاريب، ولا اتِّخَاذ قناديل من الذهب والفضة لأنَّها بِمَنْزِلَةِ الآنية) المغني. باب زكاة الذهب والفضة. ٣/ ١٨.
(٢) أجوف البيوت: داخلها. اللسان (جوف) ٩/ ٣٥.