للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يعني: أنك تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعته إليَّ، فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ودلالة هذه الأحاديث والآثار على الحثِّ والحضِّ والتحريض على الإقامة بالمدينة، وطلبِ الفوز باستيطانها، وقصد السعادة بمجاورة ساحتها، ظاهرةٌ لائحة واضحة؛ فإنها منبع فيض بحار أنوار المِلَّة الإسلامية، ومشرقُ طلوع أقمار السعادة الحقيقية، والدارُ التي اختصها الله تعالى لهجرة حبيبه صلّى الله عليه وسلّم، وظهورِ دينه، ومحلِّ إعلانه بالحق، وإذعان الخلق، وأحبُّ البقاع إلى الله تعالى (١)، وموطنُ أحبِّ الخلق إلى الله عزّ وجل (٢)، ومهبط الملائكة المقربين، ومُتنَزل الروح الأمين، ومثوى ضنائن (٣) الله الأكرمين، من السادة القادة الأنصار والمهاجرين، ساداتِ المسلمين، وعظماءِ الدين، ثُمَّ اختارها الله تعالى محلاًّ للجسد الزاكي الطيب الطاهر، [وجعلها] (٤) مضجع الطَّوْدِ الأشَمِّ والقمر الزاهر، فصارت مفزعاً للمحبين المشتاقين، وملجأً للعشاق الوالهين


(١) أحب البقاع إلى الله مكة، كما ورد في حديث عبدالله بن عدي بن حمراء الزهري رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً على الحَزْوَرَةِ فقال: والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ماخرجت.

… أخرجه الترمذي، في المناقب، باب في فضل مكة، رقم:٣٩٢٥، ٥/ ٧٢٢. وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وأخرجه ابن ماجه، في المناسك، باب فضل مكة، رقم:٣١٠٨،٢/ ١٠٣٧. وغيرهما.
(٢) أخرج الترمذي في الجامع ٥/ ٥٨٧ رقم:٣٦١٦، من حديث ابن عباس وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا وأنا حبيب الله ولا فخر» الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
(٣) الضنائن: الخصائص، واحدهم: ضنينة، فعيلة بمعنى مفعولة، من الضَّنِّ، وهو ماتختصُّه وتَضِنَّ به، أي: تبخل؛ لمكانه منك وموقعه عندك، يقال: فلان ضِنِّي من بين إخواني وضِنَّتي، أي: أختص به، وأضِنُّ مودته. النهاية (ضنن) ٣/ ١٠٤.
(٤) في الأصل: (جعله) والصواب ما أثبتناه.