للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويذكر عن أستاذه وشيخه أبي نصر إسماعيل بن حماد (١) أنه لما شاهد المدينة المُقدَّسة من بعد بادر إلى النزول عن الكُور (٢) مُترجِلاً، وأنشد:

وَلَما رَأَيْنَا رَسْمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا … فُؤَاداً لِعِرْفَانِ الرَسُومِ ولا لُبَّا

نزلْنَا عَنِ الأَكْوَارِ نَمْشِي مَهَابةً … لِمَنْ حَلَّ فِيهِ أَنْ نُلِمَّ بِهِ رَكْبَا (٣)

وكانت الملوك وعظماء الدول وكبراء الملة الحنفية، كلٌّ منهم كان يفعل ذلك إذا فاز بالحضور هنالك؛ رجاء لحصول الرفعة الباقية، وتأميلاً للحلول في المنزلة السامية الراقية، وأداء لحق النبي الكريم، من رسوم الإجلال والتعظيم، وليسرد حينئذ وظيفة الصلاة والتسليم، وكلما لمح عَلَماً من تلك الأعلام، يستحضر من شرائط الإجلال والإعظام، ما يليق بذلك المقام، ويراعي كلَّ مكان بحسبه حق الرِّعاء، ويأتي بما يليق به من الذكر والدعاء.

وإن أمكنه أن يدخل/٤٦ المدينة حافياً، كان ذلك من الأدب وإن لم يكن كافياً، ولا لِحقِّ التَّعظيم وافياً، لكن كان شاهدَ صِدْقٍ على الخشوع والانكسار، والخضوع والافتقار، نعم إذا شك في تلوث رجله، فلا بأس عند دخول المسجد تجديد غسلها؛ ليطمئن قلبه، ويَسُدَّ على الشيطان طُرُقَ الوساوس وسُبُلَها من أصلها. ثم من سماع كلام محبوبهم، وفيه غاية مطلوبهم (٤).

ومنها: شِدَّةُ المبالغة في اتِّباع السنة والاقتداءِ بما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم


(١) هو الجوهري، وقد تقدمت ترجمته آنفاً.
(٢) الكور: الرَّحْل. القاموس (كور) ص ٤٧٢.
(٣) الشفا للقاضي عياض ٢/ ٦٢١، المواهب للقسطلاني ٤/ ٥٧٥، باختلاف في بعض الألفاظ، وهذان البيتان من قصيدة للوزير ابن عبيد الله محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن الحي الحكيم اللخمي. كما ذكر ابن الرشيد.
(٤) هكذا جاءت هاتان الجملتان (ثم من سماع كلام محبوبهم، وفيه غاية مطلوبهم) وليس لهما-كما ترى- علاقة بما قبلهما ولا بما سيأتي بعدهما، والله أعلم.