للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فعله، فإن في ذلك دليلاً على طاعته وطاعة المحبوب، غير أن محبته والانقيادَ لأمر المحبوب، وإيثارَه على مراد الحِبِّ (١)، من أعظم دلائل المحبة، بل ينبغي أن يتحد مراد المحب والمحبوب.

والمحبون ثلاثة: منهم من يريد من المحبوب، ومنهم من يريد المحبوب، ومنهم من يريد مراد المحبوب مع إرادته المحبوب، وهذا أعلى أقسام المحبة، وهذا إنما يحصل بكمال المبالغة (٢)، قال تعالى: {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} (٣). فجعل سبحانه متابعةَ (٤) رسولِه سبباً لمحبتهم له، وكونُ العبد محبوباً لله أعلى من كونه مُحِباً له، فليس الشأن أن تُحِبَّ اللهَ، ولكن الشأن أن يُحِبَّك اللهُ.

ومنها: أن لايخل بشيء من ما أمكنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغضبِ عند انهتاك شيء من حُرَمِه، وتضييع شيء من حقوقه صلى الله عليه وسلم، فإن من علامات المحبة غيرة المُحِبِّ لمحبوبه، وعلى محبوبه، والغَيرةُ له: أن يكره ما يكره، ويَغَارَ إذا عُصِي مَحْبُوبُه، فهذه غَيْرةُ المُحِبِّ، وأقوى الناس دِيناً أعظمُهم غَيْرة، وإذا خلا قلب المؤمن من الغَيْرة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فهو من المحبة أخلى وأخلى، وإن زعم المحبةَ فهو كاذب.

وكلُّ من ادَّعى محبةَ محبوب من سائر الناس، وهو يرى غيره يهتك حرمة محبوبه، ويسعى في أذاه ومساخطه، ويَستخِفُّ بأمره، ويستهين بحقِّه، وهو لايغار لذلك، ولا يغلي قلبُه غَيْرةً، فهو كذَّابٌ، بارِدُ الدعوى، فكيف يصح


(١) الحِب بالكسر -: المحبوب. القاموس (حبب) ص ٧٠.
(٢) أي: في اتباع السنة والاقتداء بما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، كما تقدم أول هذه الفقرة. ويحتمل أن تكون كلمة (المبالغة) محرّفة عن: المتابعة، والمعنى واضح.
(٣) سورة آل عمران آية:٣١.
(٤) في الأصل: (متابعته).