للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لمؤمن محبَّتُه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يَغار عند انهتاك حُرْمَتِه، وتضييع حقوقه؟!.

وأقلُّ أقسام الغَيْرةِ لله تعالى: أن يغار له من نفسه، وهواه، وشيطانه؛ فيغار لمحبوبه من تفريطه في حقه، وارتكابه لمعصيته، وإذا ترحَّلَتْ هذه الغَيْرة من القلب تَرحَّلَتْ منه المحبة، بل تَرحَّلَ منه الدِّينُ وأنوارُه، وإن بقيت فيه حاله وآثاره، وهذه الغَيْرة هي أصل الجهاد، فلا تفارقك في حضرة هذا السيد الكريم، فإن مفارقتها تؤذن/٤٧ بحرمان عظيم، وخِذلان جسيم.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ، فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ، يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ، ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} (١).

ومنها: محبَّةُ المدينة ومنازِلِها وجبالِها التي أثبت لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فإن من علامات المحب محبَّةَ دارِ المحبوب، وبيتِه، والموضعِ الذي حلَّ فيه:

أمرُّ على الدّيارِ ديارِ ليلى … أُقَبِّلُ ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شَغَفْنَ قلبي … ولكنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيارا (٢)

ومنها: مَحبَّةُ أهلِ المدينة وسكانِها، ومَودَّةُ مجاوريها وقُطَّانِها، فإن من علامات المحبة، محبَّة أحبابِ المحبوب وأصحابِه، وإخوانِه، وخَدَمِه، وجيرانهِ، وما يتعلق به من جميع شانه:

يشتاقُ واديها، ولولا حُبُّكُمْ … ماشَاقَهُ وادٍ زَهَتْ أزهارُهُ

ومنها: انشراحُ الصَّدْر، ودوامُ السرور، واستمرارُ الفرح لمجاورة هذا النبي الكريم، ومُساكَنَةِ مَنْ خصَّه الله تعالى بالخِلَّة والتعظيم، فإن من علامات


(١) سورة المائدة آية: ٥٤.
(٢) البيتان لقيس بن معاذ (مجنون ليلى)، وهما في خزانة الأدب ٤/ ٢٢٧ - ٢٢٨.