للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولا بأس بالبكاء على سالف الذنوب، والتضرُّعِ رجاءً لكشف الكروب، فقد رُوِّينا عن الإمام الجليل أبي عبد الرحمن عبد الله بن المبارك، سمعت أبا حنيفة يقول: قدم أيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ (١) وأنا بالمدينة، فقلت: لأنظرن ما يصنع، فجعل ظهره مما يلي القِبْلَةَ وَوَجْهَهُ مما يلي وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى غير متباك، فقام مقام رجل فقيه.

ورُوِّينا عن الأصمعي (٢) قال: وقف أعرابي مقابل قبر (٣) النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم إن هذا حبيبك، وأنا عبدك، والشيطان عدوك، فإن غفرتَ لي سُرَّ حبيبُك، وفاز عبدك، وغضب عدوُّك، وإن لم تغفر لي غضب حبيبُك، ورضي عدوُّك، وهلَك عبدُك، وأنت أكرم من أن تغضب حبيبَك، وتُرْضِيَ عدوَّك، وتُهْلِكَ عبدَك، اللهم إن العرب الكرام إذا مات فيهم سيد أعتقوا على قبره، وإن هذا سيد العالمين، فأعتقني على قبره.

قال الأصمعي: فقلت: يا أخا العرب، إن الله تعالى قد غفر لك وأعتقك، بحسن هذا السؤال.

ثم يعود إلى موقفه الأول تجاه المسمار الفضة، ويعيد من السلام المتقدم ما تيسر، ثم يجلس إن طال القيام به، فيكثر من الصلاة والتسليم، ويأتي بأتم أنواع الصلاة وأكمل كيفياتها، وقد اختلف الفقهاء في ذلك، وقد بسطت القولَ فيه في كتابي (الصِّلات والبِشَر في الصَّلاة على خير


(١) أيوب بن أبي تميم كيسان السختياني أبو بكر البصري ثقة، ثبت، من كبار الفقهاء العباد، ولد سنة ٦٦ هـ، وتوفي سنة ١٣١ هـ. الطبقات الكبرى ٧/ ٢٤٦، حلية الأولياء ٣/ ٣.
(٢) عبد الملك بن قُرَيب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي، العالم اللغوي الأديب صاحب التآليف الكثيرة. ولد سنة بضع وعشرين ومائة، وتوفي سنة ٢١٦ هـ. الفهرست لابن النديم ص ٦٠، سير أعلام النبلاء ١٠/ ١٧٥ - ١٨١.
(٣) بل السُّنة في الدعاء استقبال القبلة مع مافي هذه العبارات من نكارة.