للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال آخر:

ولو قُلْتَ طأْ في النَّارِ أعْلَمُ أنَّه … رضَىً لَكَ أو مُدْنٍ لنا من وِصَالِكَ

لقدَّمتُ رِجلي نحَوها فوطِئْتُها … هُدَىً منكَ أوضَلَّةً من ضلالِكَ (١)

دع هذا رأينا من يستهون العظائم الكبار، ويرتكب الأهوال والأخطار، ويستغرق الأعمار، في مصاعب الأسفار، وركوب البحار، ويصبر من العيش على أَمرَّ من العلقم، ويلوي على يديه ما هو أضرُّ من الأرقم (٢)، ويفارق أهله وولده، ووطنه وبلده، ويستمر على ذلك الشهورَ والأيام، بل السنين والأعوام، كل ذلك لظن ربح دنيوي واكتساب مالي أو رضا ملك أو سلطان، بل في رضا مَن يَعِزُّ عليه من الأزواج والولدان.

وكم عسى تكون شدة المدينة ولأواؤها؟ وإلى متى تستمر عليك مشقتها وبلاؤها؟ وقد تجد في البلاد ما هو في الشدة وشَظَفِ العيش مِثْلَها، أو أشقَّ منها، وأهلها مقيمون فيها، وربما يوجد فيهم من هو قادر على الانتقال، فلا ينتقل ويُؤْثِرُ وطنَه مع إمكان الارتحال، على أن المدينة مع شَظَفِ العيش بها في غالب الأوقات، فإنه قد يُوسِّعُ اللهُ فيه العيشَ على بعض السكان، ويَحْسُنُ فيه حالُه ويَنْعُم فيها بالُه، دون سائر البلدان، ولعلك تكون واحداً من أولئك الرجال، أو تكون من أنعمهم وأطيبهم في طيب العيش ورفاهية الحال، وإن كانت الأخرى، فالصبر للمؤمن أجدر وأحرى، فإن تحمل العسر يتبعه الآلاء (٣) بلا منّ، وتجرع الصبر يقترن به الأحلى والمَنّ.

يا مَنْ شكى شوقَه من طُولِ فِرقَتِه … اصبر لعلَّكَ تلقى من تحب غدا


(١) معاهد التنصيص للعباسي ١/ ١٥٩. وفيه أن البيتين لابن الدمينه.
(٢) الأرقم: أخبث الحيات وأطلبها للناس. القاموس (رقم) ص ١١١٥.
(٣) الآلاء: النعم. القاموس ص ١٢٦٠.